من العادات المشهورة عند العرب قديماً وحديثاً ما يسمى الانتخاء والاعتزاء، والانتخاء هو عبارة أو جملة يتلفظ بها عادة في حال الغضب وساعات الضيق والشدة، لذا فغالباً ما تتلازم النخوة مع الوقائع الحربية. لأن فيها استحضار لغة التحدي للأعداء بصوت عالٍ اعتزازاً بالنفس وتباهياً بالأفعال والبطولات مصحوباً ذلك بالتهديد والوعيد مع الفخر بالأحساب والانتماء للأنساب في صيحات متكررة ومتتابعة، وبصوت عالٍ تتجاوب وتتنادى بها الفرسان، حتى تبلغ الحماسة والشجاعة ذروتها. جاءت كلمة ( نخوة ) في مدلولها اللغوي بعدة معانٍ. ومنها:(نخا، ينخو، نخوة: افتخر وتعظم، وانتخى فلاناً مدحه، وأنخى: زادت نخوته). والنخوة الكبر والعظمة، ونخا فلاناً مدحه ينخوه نخواً، وعرفت النخوة « بأنها ذلك النداء المرتبط بمجتمع أو دولة ليبث في أهلها الحماسة والفخر، وللنخوات أثرها الكبير في نفوس المنتسبين إليها بشكل كبير، فهي من المحركات الأساسية المهمة للمجتمع الذي ترتبط به تلك النخوة. و«النخوة في اللغة: الفخر والازدهار والاستنكاف. انتخى فلان: افتخر، وقد جرت مجرى (الاعتزاء) الذي هو الشعار في الحروب والادعاء والانتساب، والنخوة بصفة عامة اعتزاز بالنفس، واستفزاز لها في الحرب، أو عند الغضب في السلم، وفي حالي الانتفاض أو الفخر. «نخوة العوجا» كلمة تطلق على نخوة حكم آل سعود منذ أن تأسس! وكانت لكل مكونات المجتمع المحلي في الجزيرة العربية سواءً حاضرةً وبادية نخوة تتنادى بها، وهي معروفة عند غيرها من المجتمعات وتتميز بها، وأشهر ألفاظ النخوة أن يقول أحدهم: «أنا أخو فلانة»، وهذا ما يعزز أن النخوة منحوتة من «أنا أخو» فقيل «نخو» ثم أصبحت «نخا». ولسنا هنا بصدد الاستطراد في بعض النخوات المعروفة، لكن تظل نخوة العوجا من أهم وأشهر النخوات المعروفة في الجزيرة العربية، والتي ارتبطت بتاريخ المملكة العربية السعودية، وأصبحت من أشهر النخوات في المنطقة. فأصبحت هذه النخوة «نخوة وطن». قال عبد الله بن خميس: «هذه كلمة تطلق على نخوة حكم آل سعود منذ أن تأسس، فالأئمة من آل سعود -رحمهم الله- ينتخون هكذا:(خيال العوجا وأنا ابن مقرن) أو (راعي العوجا وأنا ابن مقرن) فأصبحت نخوة للجميع». ومن عبارات النخوة أيضاً: (أهل العوجا) و(خيال العوجا). وكان أكثر اعتزاء الملك عبدالعزيز: (أنا ابن فيصل) وهو جده الأدنى، و(أنا ابن مقرن ) جده الأعلى، و(أنا أخو نورة!) كبرى شقيقاته، فيقول: (أنا أخو الأنور المعزي) أي عبد العزيز. ويشارك عشيرته أهل العارض في قولهم: (أهل العوجا إخوان من طاع الله)، وكذلك من كلمات الملك عبدالعزيز التي يرددها «سور العوجا وأنا ابن مقرن». (العوجا) نخوة مؤثرة تعود للدرعية نظراً لأهمية نخوة (أهل العوجا) وما تثيره في أنفس المنتخين بها، وحرصهم على التنادي بها في لحظات القتال الحاسمة، فقد حاول عدد من الكتاب والباحثين والمؤرخين تفسيرها والبحث عن مدلولها وأسباب إطلاقها، ومعرفة معناها. ولأن كلمة (العوجا) هي وصف لشيء فقد تعددت الآراء بشأن ذلك الشيء الذي تعود إليه. لذا استعرض المهتمون بالأمر بعضاً من الآراء حول هذه التسمية، من تلك المحاولات من خلال إيرادها حسب ما جاءت في المصادر والمراجع، ثم ما هو تفسير معنى النخوة ب»أهل العوجا» بناء على المعطيات التي توافرت لدى المصادر المتنوعة، ومحاولة استقراء العبارات الخاصة بالنخوة ذاتها. وقد تعددت الآراء حول مدلولات «العوجا» فمنهم من ذكر أن هذه النخوة تعني الملة الحنيفية، ومنهم من ذكر بأنها تعود لاسم فرس عربي مشهور، أو أنها تعود لقطيع من الإبل المشهورة، والرأي الذي ترجحه المؤلفات التاريخية أن معنى (العوجا) في هذه النخوة المؤثرة يعود إلى المكان وهو الدرعية التي أصبحت عاصمة في دولة راسخة وقوية وذات نفود واسع. لأن حجم النخوة الذي له تأثيره الكبير في أصحابه على مدى زمن ليس باليسير لا يتناسب مع الخيول والإبل، فهي ليست من الأشياء الدائمة التي يرتبط بها في مثل هذه النخوة القوية والقديمة، وليست قصراً على فئة بعينها. لذا فبناءً على ما سبق من آراء فإن الأرجح والأصوب أن العوجا هي الدرعية التي كانت نخوة لأسرة آل سعود، ثم لأهل العارض جميعاً ثم امتدت لتشمل جميع نواحي الدولة السعودية والمملكة العربية السعودية إلى يومنا الحاضر. (العوجا) اسم أطلق على الدرعية لوقوعها ملتفة في وادي حنيفة! ومن الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن لماذا سميت الدرعية ب»العوجا»؟ وما سبب هذه التسمية؟ إذ تشير المصادر الجغرافية أنه يطلق اسم العوجا على الوادي الملتف الأعوج، وهو اسم أطلق على الدرعية لوقوعها ملتفة في وادي حنيفة، واستمر استخدام هذه النخوة في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للدلالة على ارتباط المملكة العربية السعودية بمنطلق تأسيس الدولة السعودية في الدرعية، والدرعية تقع في إقليم عارض اليمامة في هضبة نجد، وتتبع إدارياً الآن منطقة الرياض، وهي تمثل رمزاً وطنياً بارزاً في تاريخ المملكة العربية السعودية، وقد ارتبط ذكرها بالدولة السعودية الأولى، التي شكلت منعطفاً تاريخياً في تاريخ الجزيرة العربية، وقد استمرت الدرعية المدينة الأشهر في الجزيرة العربية خلال القرنين الثاني والثالث عشر الهجري (السابع عشر والثامن عشر الميلادي) حتى بعد أن ألحقت جيوش الدولة العثمانية التدمير لها في سنة 1233ه (1818م). ونظراً لمآثرها فقد أعلنت منظمة الأممالمتحدة للعلوم والتربية والثقافة أن حي الطريف في مدينة الدرعية موقع تراث عالمي، وفي 20 ديسمبر 2021م اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الألكسو) الدرعية عاصمة للثقافة العربية. خيال العوجا.. من نخوات الأسرة المالكة في الحروب! استثارت نخوة «أهل العوجا» العديد من الكتاب والمؤرخين، ولفتت انتباههم ومن ذلك ما ذكره عبدالرحمن الرويشد في أن العوجا هي مدينة الدرعية ومنطلق الحكم السعودي، وقد أشار إليها الزركلي في ذكره لوقعة الحريق 1328ه (1910م) عندما استثار الملك عبدالعزيز همم من معه قائلاً: «يا أهل العوجا»، كما أكد حمد الجاسر أن العوجا هي الدرعية الموطن الأول لآل سعود، كما وردت هذه النخوة في كتابه (النجم اللامع) برسالة بعثها الملك عبدالعزيز إلى الأمير محمد بن هندي وختمها بقوله «سور العوجا وأنا ابن مقرن»، كذلك ما أورده أمين الريحاني عن نخوة «أهل العوجا» عندما تحدث عن معركة جراب عام (1915م). ونقل ما كان يقوله الإخوان وهم يعتزون وينتخون: أهل التوحيد! أهل التوحيد، أهل العوجا! أهل العوجا. وهذا يمكن تفسيره بأن النخوة هنا ارتبطت بالمكان وهو الدرعية التي احتضنت الدعوة إلى التوحيد. ونقل منير العجلاني في كتابه (تاريخ البلاد السعودية) عن صحيفة الخليج الفارسي قولها: «إن صيحة آل مقرن التي كانوا ينتخون بها في الحرب هي: خيال العوجا.. أنا ابن مقرن، ويعنون بالعوجا: الدرعية، لأن وادي حنيفة يتعرج عندها. (العوجا) استخدمت للحميّة ولاستنهاض الهمم والفخر والاعتزاز وإذا نظرنا إلى عدد من القصائد المبكرة والمتأخرة نجد أن كلمة (العوجا) استخدمت لاستنهاض الهمم والفخر والاعتزاز لدى الأهالي في البلاد السعودية. والشعر الذي يعتبر مصدراً من المصادر المهمة لتاريخنا المحلي فقد وثق هذه النخوة، وترددت «العوجا» في العديد من القصائد الشعرية، والتي تبين أن الشعراء استخدموا هذه النخوة بكل وضوح للدلالة على المكان وهو الدرعية عاصمة الدولة السعودية. وقد جاءت هذه النخوة في العديد من القصائد المبكرة والمتأخرة، لاستنهاض الهمم والفخر والاعتزاز. ومن أبرز هذه القصائد، قصيدة موضي الدهلاوية في مرحلة مبكرة قبيل سقوط الدرعية تستخدم كلمة «العوجا» بصفتها المكان حيث قالت: هيه يا راكب حمرا ظهيره تزعج الكور نابية السنام سر وملفاك العوجا مسيرة ديرة الشيخ بلغه السلام ياهل الحزم يانعم الذخيرة إن لفاكم من الباشا علام أدعو الله ولاتدعون غيره وأعرفوا ما من الميته سلام كما بكى أمجادها وماضيها التليد الشاعر أبو نهية في بكائيته على الدرعية أثناء سقوطها عام 1233ه (1818م) حيث قال واصفاً الدرعية وما كان فيها من ازدهار وتطور: وابكي على عوجا ربينا بريعها صغاراً كباراً نشتري ونبيع داراً اليا جاها الغريب يوالف وجنابها للمحلين ربيع وكذلك جاء اسم «العوجا» في قصيدة الشاعر أحمد بن دعيج في أرجوزته الشهيرة بعد عمار الدرعية: ونازل «العوجا» بحرب صارم .لكن تنضنض دونها أراقم حاصرهم بالروم سبعة أشهر ابو سعد سكانها والانجر أبدى بها جده مع اجتهاده لكن مولانا له مراده كما ذكرها الشاعر حسين بن علي بن نفيسه في قصيدته: تألق في العوجا الهدى ثم انورا ونادى منادي العدل والجور أدبرا وتكرر لفظ «العوجا» في قصيدة أخرى للشاعر بن نفيسه مهنئاً الملك عبدالعزيز بدخول حائل عام 1340ه (1921م): لك الحمد منا في الضحى والاصائل يوالي كما أوليت كل الفضائل بأيدي اولي العوجا أولي البأس في اللقا هم الناس عند المعضلات الخلايل «العوجا».. أهازيج حربية تستحضر في الأذهان الوقعات والبطولات كما تغنى ب«العوجا» شاعر الحربيات والعرضة الشاعر المشهور فهد بن دحيم، الذي استخدم كلمة «العوجا» في قصاص ئده وأهازيجه الحربية والتي مازالت تتردد إلى الآن، وفي كل مرة تستحضر الأذهان الوقعات والبطولات التي قيلت فيها ومنها: حنا هل العوجا نهار الملاقى عيدنا...والجزيرة كلها مدبين قرومها لابتي عوج المراكيض هذا سوقنا بيعوا الأرواح في الهوش بأول سومها وقال أيضاً: حنا هل العوجا ولناب نشاده نسهج الاخطار والله يكافينا وبالعوجا تغنى شاعر العرضة الشهير محمد العوني في معركة البكيرية حين قال: مني عليكم يااهل العوجا سلام واختص أبو تركي عما عين الحريب أكرم هل العوجا مدابيس الظلام. هم درعك الضافي اليا بار الصحيب وتردد اسم «العوجا « في إحدى قصائد الشاعر سليم عبدالحي قائلاً: سلة هل العوجا شغاميم صبيان يفنون من عادا لهم بالحطامي بيادي فواعيس العداة نصرة الهدى أهل عزوة العوجا حنيفية الوادي كما أشار إليها الشاعر عبدالرحمن بن صفيان قائلاً: يوم العذارا اللي كما فلق جمار....ت نخى هل العوجا وتندب عزاويك وقد ذكر «أهل العوجا» خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في إحدى قصائده مفتخراً ببطولات آبائه وأجداده قائلاً: حنا «هل العوجا» ولابه مراوات شرب المصايب مثل شرب الفناجيل نخوة «أهل العوجا» النخوة نداء عز وفخر ويتضح لنا مما سبق أهمية نخوة «أهل العوجا» وما تثيره في نفوس المنتسبين إليها من حمية، وتستنفر هممهم وطاقاتهم، وتحفزهم للذود عن ممتلكاتهم والدفاع عن أرضهم التي يعتزون بها. ويفتخرون بالدفاع عنها منذ 1139ه (1727م)، بدءًا من الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام المؤسس محمد بن سعود وحتى عصرنا الحاضر. وستبقى هذه النخوة «أهل العوجا» تتردد في كل مناسبة لتعرفها الأجيال وتختزنها الذاكرة لكونها النخوة الشعبية الرسمية للدولة السعودية فتظل النداء الذي يلبيه الجميع ويعتزون به. وتظل «العوجا» حاضرة باقية في جميع مناسبات الوطن. أدام الله على وطننا عزه وأمنه واستقراره وحفظ لنا وطننا وولاة أمرنا وزادهم عزة ونصرة وتمكيناً. المصدر: * فهد السماري، أهل العوجا، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1431ه. * قاسم الرويس، أهل العوجا.. نخوة ودولة، جريدة الاقتصادية، الاثنين 21 فبراير 2022م. * محمد العيسى، الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 1415ه (1995م).