عُرف عن ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، انفتاحه على كافة الآراء واستعداده لخوض نقاش مع الجميع للتباحث حول كل الأفكار المطروحة على الساحة السعودية. غير أن التاريخ الوطني تحديدا يعتبر "خطا أحمر" لدى الأمير سلمان، إذ لا يقبل أن يكون هذا الأمر ساحة مفتوحة للآراء دون دليل. الأمير سلمان، الذي يرأس دارة الملك عبدالعزيز، كان له تعليق مثير للاهتمام حول "نخوة العوجا" والتي نشر عنها في مجلة اليمامة في محرم 1431. وقال الأمير سلمان في إيضاحه لهذه المسألة "انطلاقا من أهمية إيضاح المراد بنخوة العوجا بصفتها جزءا مهما من تاريخنا الوطني، فإنه من الضروري تصحيح ما كتب عنها وإثبات ما دلت عليه المصادر"، داعيا إلى عدم ترك تاريخنا الوطني ساحة مفتوحة للآراء التي لا تعتمد على دليل، أو الاستناجات التي تعتمد على نقل غير موثق أو رأي ظني فقط في ظل وجود دليل. وأضاف "ولأهمية التوثيق ورصد أحداث تاريخنا الوطني بشكل علمي اتجهت دارة الملك عبدالعزيز - تحت إشرافي المباشر - ببرامجها وأنشطتها إلى تحقيق ذلك، والتعاون المفتوح والواسع مع جميع الباحثين والباحثات ويتجلى ذلك فيما عقدته وتعقده من ندوات ومؤتمرات وما نشرته وتنشره من بحوث ورسائل علمية، وما تقدمه للباحثين من توثيق ومصادر، وما تعده من دراسات كل ذلك يقوم في أساسه على المنهج العلمي المعتمد على الدليل والمصادر، كما شجعت الدارة على أهمية النقاش العلمي، وإشباع الموضوعات العلمية بحثا ودراسة، والاسترشاد بجميع الآراء للرغبة في الوصول إلى رأي علمي موثق في إطار المنهج العلمي المعروف". وبين ولي العهد أن "نخوة العوجا" نخوة مهمة ترتبط بأسرة آل سعود وبمنطقة العارض وقد يعود ارتباطها قبل قيام الدولة السعودية الأولى، ثم ارتبطت بجميع ما ينضوي تحت لواء الدولة السعودية، وكانت النخوة في المعارك والحروب التي خاضتها الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة حتى في عهد الملك عبدالعزيز، ومثلها أي نخوة أخرى فإنها لا بد أن تكون مرتبطة بمعنى ودلالة، مؤكداً أن الدرعية التي هي حسبما أشارت إليه القصائد الشعرية المعاصرة كانت بمثابة المكان الذي تنتخي به أسرة آل سعود، التي أنشأت هذا المكان الذي كان المنطلق لإنشاء دولة قوية نشرت الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية، وأيدت الدعوة الإصلاحية التي تقوم على أساس الدين الصحيح كما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم. وأشار إلى أنه من الآراء التي طرحت أن العوجا يقصد بها كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وذلك عندما جاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بدعوته إلى التوحيد قيل له إن هذه عوجاء والناظر إلى هذا التفسير يبدو أمامه عدد من التساؤلات منها: أن هذه الدعوة جاءت في بلاد الإسلام، وكان الناس على الإسلام، وإنما كانت هناك ممارسات شركية في الدرعية وغيرها من البلدان أشار إليها المؤرخون، فقام الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالعمل على تصحيحها وإزالتها، ولقد بدأت هذه الدعوة في حريملاء ثم في العيينة ثم أيدها الإمام محمد بن سعود وأخواه مشاري وثنيان الذين كانوا طلابا على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في العيينة، وكذلك العلماء مثل قاضي الدرعية حمد بن سويلم ولم يرد في المصادر أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما انطلقت في العيينة وصفت بأنها عوجاء. وأضاف أن إطلاق لقب العوجا على الدعوة مخالف لما حصل للدعوة من قبول وتأييد، وليس من المنطق أن يصف أولئك كلمة التوحيد بهذا الوصف، وهم على علمهم بأهميتها وقيمتها الدينية، أما ارتباط هذه النخوة بالدعوة والدين، فهو واضح وليس فيه لبس؛ لأن المقصود بالنخوة هو الدرعية التي اشتهرت بسبب الدعوة ونصرة الدين، وأصبحت القلب النابض لتلك الدعوة الإصلاحية، وارتبطت النخوة بآل سعود، الذين أيدوا هذه الدعوة وأسسوا الدرعية، فارتباط النخوة هنا بدا مع الدعوة، حيث أصبح المكان هو الدرعية المنطلق والأساس لها. واستطرد أن العديد من الآراء أوردت أن هذه النخوة تعني الملة الحنيفية، وأنها تعود لاسم فرس عربي مشهورة، أو أنها تعود لاسم قطيع من الإبل المشهورة وغير ذلك من الآراء، ولكن المصادر التي توافرت لنا من خلال الشعر الذي قيل في أيام الدولة السعودية الأولى، ثم في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله يدل دلالة قاطعة وليست ظنية على أن العوجا هي الدرعية، مثلما قالت موضي الدهلاوية في عام 1232 للهجرة أثناء حصار جيوش إبراهيم باشا لمدينة الرس: سر وملفاك العوجا مسيرة/ ديرة الشيخ بلغه السلام. فهذا البيت يدل دلالة واضحة على أن الدرعية هي المقصود بها العوجا واستخدام الشاعرة لهذه النخوة دليل على أن المقصود بها الدرعية في ذلك الوقت. وقال الشاعر محمد أبونهية في قصيدته المشهورة أيام سقوط الدرعية عام 1233 للهجرة: وابكي على عوجا ربينا بربعها/ صغار كبار نشتري ونبيع/ دار الى جاها الغريب يوالف/ وجنابها للمملحين ربيع. وهذا دليل آخر على أن المقصود بالعوجا هي الدرعية، التي تحدث بها هنا الشاعر محمد أبونهية بكل وضوح. وقال الشاعر محمد العوني أيضا في قصيدة له يوم معركة البكيرية سنة 1322 للهجرة: مني عليكم يا هل العوجا سلام/ واختص ابو تركي عمى عين الحريب/ اكرم اهل العوجا مدابيس الظلام/ هم درعك الضافي الى بار الصحيب. وقال الشاعر فهد بن دحيم وهو شاعر العرضة المعروف: ليا قيل ابو تركي من العوجا ظهر/ تزلزلت نجد ورقص شيطانها. وفي هذا دلالة على أن هذا الشاعر أيضا استمر في استخدام العوجا بكل وضوح قاصدا الدرعية مثلما استخدمها قبله الشعراء المشار إليهم آنفا. ويتأكد المقصد مرة أخرى في بيته القائل: ياراكب حمرا من العوجا هميم/ تجفل إلى شافت سمار ظلالها. وقوله أيضا: نو من العوجا تظهر له رباب/ فيه الغضب والغيظ غاد له سهيل. وقال الأمير سلمان "وهذه الأبيات تدل دلالة واضحة بصفتها مصدرا يقودنا إلى فهم المقصود بالعوجا منذ أيام الدولة السعودية الأولى وتحسم أي جدل يظهر بشأن المعاني الأخرى لها، فالروايات التي كتبت وأشارت إليها صحيفة أم القرى وخير الدين الزركلي وعبدالله بن خميس وغيرهم تظل اجتهادات يشكرون عليها جميعا وكانت بمثابة الآراء غير القاطعة، ومن خلال الرجوع إلى هذه الأبيات ومن خلال ما أعرفه أنا شخصيا عن هذا الموضوع، فإنه ليس لدي شك بأن العوجا هي الدرعية التي كانت نخوة لأسرة آل سعود ثم لأهل العارض جميعا، ثم امتدت لتشمل جميع نواحي الدولة السعودية والمملكة العربية السعودية. وختم ولي العهد حديثه بالقول "إن هذه النخوة العوجا ترتبط بالمكان وهي الدرعية وبالدعوة التي على أساسها قامت الدولة السعودية وعاصمتها الدرعية واشتهرت بها وأصبحت الأساس لها إلى يومنا هذا وبهذا تكون هذه النخوة هي للمكان وللدعوة التي انطلقت منه بشكل متلازم".