حصلت هذه القصة في مؤسسة أكاديمية عربية قبل سنوات طويلة، كان مديرها رجلاً ناجحاً وقوياً ويقود عملية تطوير كبيرة للنهوض بذلك الصرح الأكاديمي ولكنه واجه الكثير من التحديات والمعارضة للتغيير. وكان لديه وكيل متمكن وله شعبيته وقبوله بين المنسوبين بسبب مواقفه الداعمة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإداريين بالإضافة إلى قوته في الأبحاث والدراسات. بدأ المدير يشعر بالغيرة من وكيله والخوف على منصبه فراح يحاول تحجيم صلاحياته وإيقاف وتخريب مشاريعه مرة عبر إيقاف ميزانياتها ومرة عبر إدخالها في دهاليز اللجان والنقاشات والإجراءات البيروقراطية التي لاتنتهي. ووصل الأمر إلى محاولة تأليب موظفيه عليه ومحاولة عزله وإعفائه باختلاق مشاكل وهمية وبناء على شكاوى كيدية. كان الوضع صعباً جداً على ذلك الوكيل والذي حافظ على هدوئه ورباطة جأشه وركز على إنجاز مهامه ومشاريعه دون الانزلاق لتلك المكايد. وما هي إلا فترة بسيطة وتصدر قرارات بإعفاء ذلك المدير من منصبه وتعيين الوكيل ليكون هو المدير الجديد للمؤسسة الأكاديمية. بالتأكيد ليست جميع قصص التضييق والحروب على الكفاءات تنتهي هكذا بنهايات درامية، ولكن بلاشك فهنالك نهايات تبدو سعيدة لهكذا قصص. ولعل ما حصل أعلاه يذكر بالمثل الألماني الذي يقول: "الأعشاب الضارة لا تتلاشى"، والتي تعبر عن حال مناطق أوروبية في العصور الوسطى حين كانت الأعشاب الضارة تنمو في كل مكان وتُفسد منظر البيوت وحقول الورود وغيرها، ومع ذلك يتم استغلالها والاستفادة منها بشكل أو بآخر. هذا المثل عن الأعشاب الضارة يؤكد على أهمية أن يظل الإنسان صابراً ومثابراً رغم جميع العقبات والانتكاسات التي تواجهه وأهمية قوة العزيمة والإصرار على تحقيق الهدف رغم المصاعب. على الصعيد الشخصي، أشعر بتعاطف كبير عندما أرى موظفاً طموحاً تتم محاربته أو التضييق عليه. واعتبر ما يحصل أمامي اختباراً لصبره وجلده وجزءاً مهماً من اختبار قدراته وتأهيله ليصبح في موقع قيادي أقوى لاحقاً لأنه وفي وفي الغالب كلما تألم وعانى أكثر وصبر فسيكون أكثر حرصاً على ألا يظلم غيره ويجنبهم التجارب المريرة التي مر بها. وفي نفس الوقت، بالنسبة لي فالمدير الذي يحارب الكفاءات ويضيق عليها بدون مبرر لا يجب أن يعمر كثيراً فإما أن يعالج سلوكياته أو أن يرحل أو يتم نقله. والعكس صحيح، فالمدير الذي يمكّن من معه ويسعى لنجاحاتهم يستحق في معظم الأحوال أن يتم تمكينه ودعمه لموقع قيادي أقوى ليعم خيره ونفعه على نطاق أوسع للمنظمة. وختاماً، الانسان الناجح والطموح قدره أن يواجه العراقيل والمؤامرات والصعوبات بدافع الغيرة والحسد في كثير من الأحيان. ولكن بدل اليأس والانهزام لهذه الضغوط فعلى الانسان أن ينظر لكل هذه التحديات بشكل إيجابي على أنها دروس وتجارب تصقل المهارات والخبرات وتجهزه لمهام عظيمة في قادم الأيام، فالأمر شبيه بالمسؤولين الذين يتناولون جرعات قليلة من السم على فترات ليكون لديهم مناعة قوية من السموم القاتلة. وباختصار، الذئاب تعوي والأعشاب الضارة لا تتلاشى، ولكن القافلة تسير ولا تبالي وتأكل تلك الأعشاب وتدوس عليها في طريقها لتصل إلى الهدف وتحقق الحلم وتصنع الأثر الإيجابي والإلهام الذي يبقى ولا يتلاشى.