الرسائل ليست ورقاً بل روح تتحدث معك، فأنت حين تقرأ تتخيل كاتبها، وكيف جلس، وكيف أمسك القلم، وتستعين بعقلك في صنع نظرة خاصة، وابتسامة تندرج من هذه الجملة، ودمعة من سطرها الأخير. ومع كوننا في زمن توفرت فيه كل وسائل التواصل؛ إلا أنه ما زال هناك ما يُقال للفرد وللمجتمع، وللحياة أجمع، كاعتذار وتساؤل وأمل، كرغبة في إيصال صوت ومحاولة لعناق طويل. لذا خصصت "الرياض" مساحة للرسائل الأدبية عبر سلسلة بعنوان "علمتني الحياة"، نقرأ منهم تجاربهم، ونتلهف لسماع قصصهم، ونتساءل معهم، ونتعلم من أحرفهم. ما زلنا نتقاسم أرغفة النور! أخي أ. عبد المحسن يوسف: أعود بي وبك إلى سنوات الدراسة الجامعية، حيث كنت أمضي جُل الوقت في حجرتي في السكن الجامعي، أقرأ ما تقع عليه يدي من كتب وروايات ودواوين شعرية ومقالات ثقافية منشورة في مجلات وصحف سيارة. وفي يوم لا تزال صورته عالقة في ذهني كنت قد فرغت للتو من رواية «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ التي لا تزال -في اعتقادي- أفضل أعماله الأدبية. تأثرت بتلك الرواية البديعة أيما تأثر، وافتتنت بها أيما افتتان، وتعلقت بأحداثها وشخوصها أيما تعلق. وفي خدرة من التأثير والتأثر بهذا العمل البديع لمحت نصاً فاتناً لكَ تتحدث فيه عن الشاعرة العراقية الكبيرة نازك ملائكة -كانت الصحف المحلية في ذلك الوقت تكتبها هكذا ملائكة- بلغة شاعرية متدفقة غير مألوفة، وبأسلوب في الكتابة بديع، وبتناغم آسر جعلني أقرأ النص غير مرة. بعد ذلك المقال انعقدت بيني وبين زاوية «وجوه» التي كنت تكتبها آصرة من صداقة عميقة حيث أترقبها كل أسبوع ترقب المشوق المُستهام، أذكر لك مقالاً فاتناً حول كتاب «ذاكرة للنسيان» لمحمود درويش، وكيف أنني وجدت نفسي بعد ذلك أذرع ردهات المكتبات بحثاً عن «ذاكرة للنسيان» بسبب تقريضك له. مع بزوغ نجم الشبكة العنكبوتية وخروج شبكات «الوصل» الاجتماعي للوجود وجدتك مرة أخرى تستمتع بالسباحة على ثَبَج البحر الإلكتروني، وتنثر إبداعك الأدبي الذي يفيض رقة وعذوبة على حشد كبير من أصدقاء صفحتك الوارفة الضلال في منصة الفيس بوك. ما إن أضع تعريفاً بكتاب أو تعليقاً على رواية أو سرداً لقصة إلا وتهب مشيداً بما نقول ومشجعاً لما نطرح. أيها الصديق الجميل ثمة قول لطه حسين -عميد الأدب العربي- يذكر فيه إن «الله يهب حسن الذوق لمن يشاء»، ولعلي لا أبالغ إن قلت إنك بلا شك ممن اختصهم الله بحسن الذوق الأدبي الرفيع. عبدالله الأسمري