لأول مرة في تاريخ الحركة الرياضية السعودية يتخذ حكم كروي دولي قراراً باعتزال التحكيم وتوديع الوسط الرياضي مبكراً بسبب خطأ فادح وقع فيه أثناء إدارته إحدى المباريات راح ضحيته لاعب مهاجم أصيب بكسر مضاعف في ساقه نتيجة دخول عنيف من حارس الفريق المقابل في هجمة مرتدة سريعة ولم يحسن الحكم تقدير عقوبة هذا الخطأ الجسيم، ليغادر اللاعب الضحية بسيارة الإسعاف إلى أقرب مستشفى وبقي الجلاد دون أن ينال عقابه بالطرد من الحكم الذي كان أكثر ما آلمه خذلانه من قبل مساعده (رجل الخطوط) الذي تخلى عن تنبيهه لذلك الخطأ الفظيع وخطورته على صحة اللاعب الضحية! تلك الحادثة التي وقعت مساء يوم 29 /5 /1417ه الموافق 11 /10 /1996م، كانت سبباً مباشراً في اعتزال الحكم الدولي حسن البحيري -رحمه الله- الذي توفي فجر الأربعاء 28 /2 /1445ه الموافق 13 /9 /2023م. في مباراة جمعت النصر بالأهلي في بطولة كأس الاتحاد وانتهت بالتعادل 1/1، وكان اللاعب الضحية مهاجم الأهلي عبدالرحمن أبو سيفين، والطرف الآخر حارس النصر مضحي الدوسري الذي دخل على خصمه في هجمة مرتدة انفرادية بكلتا قدميه. كان ذلك اليوم أسود في حياة الحكم الدولي الراحل واسمه الكامل حسن عبدالرحمن الحماد البحيري من مواليد محافظة المذنب بمنطقة القصيم عام 1377ه / 1957م، أب لأربعة أولاد: تركي – عبدالرحمن – يزيد – فهد، إضافة إلى أربع بنات. حكم شجاع بضمير حي تألم حسن بعد عودته لشريط المباراة في ذلك اليوم وأعلن مباشرة اعتزاله رسمياً، فكان قراراً مفاجئاً وصادماً للأوساط الرياضية والتحكيمية والإعلامية على حد سواء. ولأن ضميره حي وعرف بنزاهته وحسن خلقه وقربه من الله واستشعاراً لمسؤوليته كحكم ودوره في حماية اللاعبين.. كان البحيري شجاعاً في اعترافه بخطئه في عدم اتخاذ القرار الصحيح في حينه بطرد حارس النصر واحتساب خطأ لصالح الأهلي، وقال -رحمه الله- في حديث إعلامي إنه لم يشاهد الاشتراك العنيف لبعده عن مكان الواقعة وكانت من هجمة مرتدة سريعة وكرة طويلة، وكانت المسؤولية على عاتق رجل الخط –عبدالله العقيل- الذي لم ينبه الحكم البحيري لفداحة الخطأ رغم وضوحها أمامه إذ لم يفصله عن موقع الحادثة أكثر من 10 ياردات. اتحاد الكرة تخلى عنه.. ومساعده تجاهل تنبيهه للخطأ الفادح نجم قبل وبعد الاعتزال وجرت العادة أن يتوارى اسم الرياضي بعد اعتزاله فتنحسر عنه الأضواء ويدخل عالم النسيان إلا أن اسم الحكم الراحل بقي حياً في الذاكرة بعد اعتزاله التحكيم؛ لأن المرحوم حسن البحيري كما قال الناقد الرياضي المخضرم الأستاذ أحمد العلولا: «اختار عملاً إنسانياً رائعاً يقربه من الله سبحانه وتعالى». نعم، حقق الحكم المعتزل نجومية وشهرة ومحبة واسعة في قلوب الناس نتيجة انتقال عمله إلى موقع آخر، حين اتجه لميدان الاحتساب متطوعاً في تجهيز الجنائز بمغسلة الأموات في جامع الراجحي، فضلاً عن المساهمة في التوجيه والدفن بمقبرة النسيم لمدة 25 عاماً هي الفترة الفاصلة بين اعتزاله التحكيم عام 1417ه وحتى وفاته -رحمه الله-، تاركاً الدنيا خلفه وزاهداً في حياته، ويقول الراحل في أحد لقاءاته الإعلامية: «أمضيت ربع قرن في تغسيل الأموات وهي الأجمل في سنوات عمري كله.. لا مرحلة طفولتي ولا شبابي كلها توازي تلك ال25 عاماً، ولا أتقاضى مقابلها ريالاً واحداً، وإنما أعمل متطوعاً أبتغي مرضاة الله عز وجل، وأنا الآن مساعد مشرف مغسلة الأموات بجامع الراجحي، والزميل بدر البريكان المشرف على المغسلة». تركي البحيري: وفاة والدي بعد عملية القسطرة بأسبوع حسام أبو داود أخبره بالكسر المضاعف يتذكر حسن ليلة اعتزاله متسائلاً: «من كان يتوقع خروج حسن البحيري من الرياضة إلى مغسلة الأموات مثلاً؟»، وأضاف: «بعد المباراة أخبرني حسام أبو داود، وكان إداري الفريق، أن اللاعب أبو سيفين تعرض لكسر مضاعف ونقل للمستشفى، وانتابني لحظتها إحساس الأبوة، وتساءلت كيف سيكون شعور والديه عندما يعلمان بإصابته العنيفة وبالتالي تعطله عن المشي وإعاقته عن الذهاب للعمل؟ آلمته إصابة أبو سيفين أسرعت بالذهاب إلى محل فيديو الحبشي في المربع الذي كان يسجل ويبيع المباريات الكروية، واشتريت شريط المباراة واستعرضته في منزلي، فهالني ما رأيت وآلمتني حادثة أبو سيفين، وأدركت لحظتها حجم الخطأ الذي ارتكبته وفداحة الإصابة والدخول العنيف، وتأكدت من إصابة الكسر المضاعف للاعب، فاتصلت بجريدة (الرياض) وأعلنت اعتزالي التحكيم نهائياً بعد المباراة بساعتين، ولكن اتحاد الكرة لم ينصفني في قراري، وبالعكس زاد من الضغط علي وأنبني ضميري أكثر لعدم اتخاذي القرار، وحمدت ربي عز وجل على ابتعادي عن هذا المجال». 17 عاماً في الملاعب أمضى البحيري 17 عاماً في الملاعب لاعباً وحكماً، إذ كانت بدايته في نادي التقدم بالمذنب عام 1393ه / 1973م، ثم اتجه لميدان التحكيم وتدرج في سلكه حتى تقلد الشارة الدولية، واستمر إلى أن قرر اعتزاله المفاجئ عام 1417ه. حكم رائع بروحه الإنسانية من الصور الجميلة في مشوار هذا الحكم الرائع بروحه الإنسانية في بداية إدارته لمباراة جمعت الهلال بالشباب أثناء إجرائه قرعة البداية وجه حديثاً مؤثراً لقائدي الفريقين يوسف الثنيان وفؤاد أنور، قائلاً: «أتمنى أن تستمر هذه القبلات والابتسامات بينكما حتى نهاية المباراة».. مؤكدًا لهما مراقبته الله في قراراته وحرصه على تطبيق العدالة بين فريقيهما. قسطرة قلبية قبل وفاته قبل وفاة الشيخ حسن البحيري بأسبوعين تعرض لأزمة صحية أدخل على إثرها المستشفى، وكشف ل(الرياض) نجل الفقيد الأكبر تركي حسن البحيري أن العارض الصحي الذي مر به والده كان قبل وفاته بأسبوعين، وقال: «تعرض -رحمه الله- لأزمة صحية وبعد يومين نقلناه إلى المستشفى وهناك أجريت له عملية قسطرة في القلب وبعد ثلاثة أيام غادر المستشفى، وكانت أموره الطبية سليمة، ومكث في البيت أربعة أيام وكان بصحة جيدة رغم آثار العملية إلا أنه كان في وعيه ويتحرك داخل البيت، لكن حالته انتكست بعد ذلك وتوفي فجر الأربعاء، رحمه الله رحمة واسعة». رحم الله حسن البحيري كان الفقيد الزاهد يسال الله أن يختم له بالخاتمة الحسنة على عمل صالح، وكان يقول لا يهمني متى أموت فالله عز وجل يقول في كتابه «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ». رحم الله الحكم الدولي السابق والشيخ حسن البحيري، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه الله خير الجزاء بما قدم لدينه وشباب ورياضة وطنه. الابتسامة مع اللاعبين لا تفارقه في مبارياته 1415ه الحكم الراحل خلال إدارته إحدى مباريات الوحدة في الرياض 1416ه نجم الأهلي عبدالرحمن أبو سيفين كان سبباً في اعتزال البحيري للتحكيم البحيري في ريعان شبابه الرياضي 1399ه الراحل مساعداً للحكم في إحدى مباريات الهلال وبجانبه اللاعب سعد مبارك حسن البحيري (الثاني من اليمين جلوساً) لاعباً مع فريق التقدم بالمذنب 1398ه ضوئية لبطاقة انتسابه لاعباً مع نادي التقدم بالمذنب منذ عام 1393ه وسط أبنائه: تركي – عبدالرحمن – يزيد – فهد في إحدى المناسبات حشود ضخمة شيعت جنازة البحيري في مقبرة النسيم