أصبحت التفاهة قاسماً مشتركاً في وسائل التواصل الاجتماعي، والحياة الاجتماعية بشكل كبير، بل أصبحت "التفاهة" مهنة مربحة تدر عوائد ضخمة بالدولار، فها نحن نعيش –شئنا أم أبينا– عالم التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، وأصبح هناك اليوتيوبر بشريحة متابعين ومعجبين بالملايين، قليل منهم يقدم محتوى جيدا، والغالبية من التوافه "جمع تافه"، الذين تصدروا المشهد الاجتماعي والترفيهي والإعلامي، والأكثر من ذلك، أنه كلما زادت تفاهة هؤلاء، كلما تزايد المعجبون، وتوالدت الأموال في جيوبهم، ومما يدعو للضحك كمشاهد الكوميديا السوداء المضحكة المبكية، أنك سترى تكالباً ورواجاً لتلك الفئة التافهة من قِبل الشركات للاستعانة بشهرة التافهين في الترويج التجاري لمنتجاتهم، أو تحقيق رواج إعلامي، مقابل مبالغ كبيرة، ويُطلق على هؤلاء "المؤثرين"، أي الذين يؤثرون في الرأي العام بما يقدمونه أو يروجون له، وتلك قضية تحتاج تحليلاً أكبر في وقت لاحق. في تقديري.. إن المشهد المحزن أن هناك الكثير من العائلات تدفع أبناءها، خاصة الفتيات والأطفال، إلى واجهات ومنصات التواصل الاجتماعي، بحثاً عن الأموال، بغض النظر عن القيم والأخلاق التي يتم هدرها عياناً بياناً، وتقديم محتوى مبتذل تافه يتجاوز كل الخطوط الحمراء؛ سعياً لجذب تافهين آخرين –وما أكثرهم– كما يقول الفيلسوف والكاتب الكندي آلان دنو في كتابه: "نظام التفاهة"، الذي يقول: "الهم الأول للتافهين أن يشغلك بالتفاصيل التافهة وإظهارها بمظهر الأهمية، بمعنى إسباغ الأهمية على الصغائر والتوافه" ويضيف: "أما جوهر الشخص التافه، أن لديه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر، لأن التافهين يعرفون بعضهم البعض، فهم يتميزون بلغتهم الخشبية التي تستخدم الخطاب الأجوف الصالح لكل مكان وزمان، والتكرار بألفاظ مختلفة، وحشو...". إننا أمام معضلة أخلاقية قيمية أصابت مجتمعاتنا العربية، تحتاج وقفة حازمة في ظل الفضاءات المفتوحة، والسيل الذي لا يمكن أن تحصيه معايير الإحصاء من التفاهات، واستغلال الفتيات والأطفال؛ لكسب المزيد من الأموال، وتلك قضية يمكن أن تصنف على إنها من قضايا الاتجار بالأشخاص، حتى إن كان مشغلوهم هم الآباء أو الأمهات أو الإخوة. إن أخطر ما تناوله الكتاب، أن ثقافة القبح أصبحت تسيطر على مناحي الحياة، خاصة مع اختلاف معايير الجمال، فأصبحت هناك معايير للجمال غير التي اعتاد عليها الكثيرون في السابق، سواء في الملبس، فنرى أن الملابس الممزقة القبيحة أضحت من معايير الجمال لدى شرائح كثيرة من البشر، أو ديكورات البيوت والمحلات، فنرى أن العشوائية أصبحت كذلك من معايير الجمال، ويضيف الكاتب أن من أخطر ما يواجه الإنسان في هذا العصر، الإعلام، وحسب رأيه لم تعد الثقافة حاضرة في اللقاءات التليفزيونية، بل التسطيح والمزاح، وربما تبادل الألفاظ القبيحة، فأصبح ذلك معتاداً، وغيره من الثقافة والعلوم هو المستغرب والمستهجن، وكأن هناك من يسوق العالم نحو هاوية التفاهة والتافهين.