عمدَ المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حينَ الوهلةِ الأولى لدخولهِ مكّة المكرمة في العام 1343ه إلى العنايةِ بالمسجدِ الحرام، ووضعِ كلَّ اهتمامهِ وجميعِ إمكاناته في خدمة البيتِ العتيق وخدمةِ الحجيج والمعتمرين، وبدأ يرسمُ الخطط ويضعُ البرامج الماديّة والمعنويّة، وأمرَ بإنشاء لجنةٍ في مجلسِ الشورى لدراسةِ كلِّ ما من شأنه خدمةِ هذا البيت. وانهمرت وتوالت الأوامر التي تُوصي بإعماره وخدمةِ زوّاره من قبل أبنائه الملوك -رحم الله ميّتهم وحفظ حيّهم وأعانه وسدده-، فأسس في العام 1440ه برنامج خدمة ضيوف الرحمن ضمن برامج (رؤية المملكة 2030). وفي هذا العام، عام 1444ه قُدّم للحجيج ما أبهرهم وأبكاهم فرحًا، ورفعوا الأكفّ ضراعةً للمولى عزّ وجل على تلكم الخدمات، وتيسيرها؛ ومنها خدمة الترجمة، فأُطلِقَ ما عُرِفَ بتطبيق (ترجمان)؛ وهو تطبيق لترجمة لافتات التعليمات للحجاج غير الناطقين باللغة العربية دون الحاجة لاستخدام الإنترنت. ومن الجدير بالذكر أن هذا التطبيق حاز على المركز الأول في (هاكاثون الحج) للعام 2018م؛ من بين ثلاثة آلاف مُشارَكَة من خمسين دولة من دول العالم قدّمت تطبيقات وتقنيات تخدم حجاج بيت الله الحرام في جميع المجالات المرتبطة بالحج؛ مثل: الصحة والمال والمواصلات والأغذية والتواصل والمرور والحلول اللغوية. وقد نُفِّذَ (تطبيق ترجمان) على أرض الواقع؛ بدعمٍ من الاتحاد السعوديّ للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز وبإشراف وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. ومن المشروعات اللغوية الأخرى التي تسهّل تجربة الحاج (مشروع خادم الحرمين الشريفين للترجمة الفورية لخطبة عرفة) عبر منصة الحرمين؛ حيثُ تختار الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبويّ المترجمين بعناية فائقة وبلغاتٍ عدّة؛ إذ بلغ عدد اللغات التي تُرجِمَت إليها الخطبة هذا العام عشرين لغة عالمية: (الفرنسية والروسية والسواحلية والسويدية والإنجليزية والتركية والإسبانية والإيطالية والفارسية والبنغالية والبرتغالية والمالايالامية والأوردو والصينية والأمهرية والبوسنية والهوسا والملايو والألمانية والفلبينية). كما يوجد عددٌ من المبادرات اللغوية الأُخرى التي تُسهم في تسهيل تجربة الحاج؛ ومنها (توعية الحاج بلغته)؛ لتعريف الحاج بطريقة نسك الحج، ومبادرة (إشراقات نبوية)؛ التي تهدف إلى ترجمة الأحاديث النبوية، والرسائل التوعوية المتعلقة بموسم الحج، ونشرها رقميًا. كما تفعّل وزارة الصحة ضمن الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام خدمة وسائل التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية (لغة الإشارة) في المستشفيات والمراكز الصحية داخل المشاعر المقدسة. وما تلكم الخدمات وغيرها إلا إيمانًا كاملاً من ولاة أمر المملكة العربية السعودية منذُ توحيدها على يدِ المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بأهمية خدمة الحرمين. ولقد حظيت وشرفت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بشرف أن كان من أولى أولوياتها خدمة الحرمين؛ حجاجًا ومعتمرين، وأكّد ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ونائبه في الإشراف على خمة الحجيج لهذا العام 1444ه؛ إذ قال -يحفظه الله- في كلمته التي ألقاها أثناء استقبال رؤساء وفود الحج: "إنّ ما يُقدّم من أعمالٍ متواصلة لخدمة حُجاج بيت الله الحرام والسهر على راحتهم والحفاظ على أمنهم هو فخرنا واعتزازنا، وسنواصل -بحول الله- بذل الجهود وتسخير الإمكانات؛ لتيسير أداء الحج كُلَ عامٍ إلى ما لا نهاية". ومن تلكم الخدمات المُقدّمةِ بالحج والمندرجة في منظومة خدمة الحجيج أولئك المتطوعون والمتطوعات لخدمة ضيوف الرحمن بترجمةِ ما يحتاجونَ إليه في مختلفِ اللغات. ومما تجدر الإشارةِ إليه أنّ جامعات المملكة العربية السعودية تُخرّج مترجمين باللغات الإنجليزية والفرنسية والصينية والفارسية، وقد يكون من المفيدِ والمستحسن التدريب العمليّ لأولئك الطلاب في مواسم الحجِّ والعمرة على مدار العام، ويكونُ التدريب في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبويّ، وسيكون لذلك -بإذن الله- مردودٌ لمقدمي الخدمة من الطلاب والطالبات، ويكون هناك تلاقح أفكار وتبادلٌ معرفيّ، بالإضافة إلى الهدف الأسمَى وهو خدمة الحجيج والمعتمرين، وتُنمّى الترجمة الشفوية، وهذا ما يحتاجه أولئك الطلاب في مستقبلِ حياتهم العملية. ومن الجديرِ بالذكرِ أيضًا أنّ أولئك الطلاب والطالبات لديهم شغفٌ للتطوّع في هذا المجال وفي هاتين البقعتين الكريمتين؛ مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة. والمملكة العربية السعودية تُعنى بهكذا تعليم، وتتوسّعُ بتعليمِ اللغات عامًا بعد عام؛ لتشملَ أكبر عددٍ ممكن من اللغات الحيّة في العالم. 11 12