لم تكن الأيام التي قضيتها في قراءة كتاب (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية) للعالم العراقي الأديب والناقد أ. د. علي جواد الطاهر (1340 - 1417) أياماً عادية، مثلها مثل بعض الأيام التي كنت أقضي فيها أطرافًا من نهاري أو آناءً من ليلي في صحبة كتاب ما. ذلك أن هذا الكتاب لا يقف عند فن أدبي واحد ولا يخضع لفرع من فروع العلوم التي نعرفها، لقد كان هذا الكتاب موسوعة من المعارف والعلوم والفنون والآداب وإن أراد به مؤلفه الطاهر أن يُثْبِت على صفحاته كل الكتب التي طبعت في بلادنا وخارجه وقبل توحيد المملكة عام (1351 = 1932) وبعدها لكنه -علم الطاهر أم لم يعلم- يكشف للقارئ جملة من المعارف التي رصدها في كتابه، فأنت باستطاعتك أن تتعرف على كتب سعودية لم تكن تعرفها من قبل أو طواها النسيان في ذاكرتك، والأمر كذلك يندرج على مؤلفيها، فترى بين صفحاته جمهرة من الأسماء التي صنفت في جل فروع العلوم والآداب، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، كل ذلك في دقة وأمانة وعمق كما أن في لغته قدر بَيِنٌ من الأناقة فكأني به ينسج ثوباً موشى بالفصوص، أما في حرص المؤلف على جودة ما يطرح فقد مهّد في مطلع كتابه عن الطباعة والكتاب والصحافة في المملكة منذ مطلع القرن الرابع عشر الهجري، ثم انظر في ترجماته للمؤلفين لتجد العجب العجاب في تفصيل سيرته من حيث: مولده ونشأته وأصول أسرته وتعليمه وعمله وعدد مؤلفاته المطبوع منها والمخطوط حتى ينتهي بك إلى تاريخ وفاته، إلى جانب ذلك تراه يتقصى ما طبعته المؤسسات العلمية والأندية الأدبية والوزارات الحكومية من كتب ونشرات ورسائل وتقارير دون أن يركن إلى الظن أو يعمد إلى قائل غير ثَبْت، ناهيك عن تنظيمه لفهارس الكتاب من الأعلام والقبائل والكتب والدواوين والمطابع ودور النشر والمكتبات، ومن خلال صفحاته تتعرف على أوائل الكتب التي طُبِعَت في الشعر والقصة والرواية والمسرحية والتاريخ والأعلام والتفسير والفقه وغيرها من العلوم والفنون، فقد كنا نزعم أن أول ديوان مطبوع في العهد السعودي هو ديوان (صبابة الكأس) للشاعر إبراهيم فلالي عام (1945م)، وإنما الصحيح هو ديوان (عقود الجواهر المنضدة الحسان) -جزآن- للشاعر والفقيه والمحدث الشيخ سليمان بن سحمان عام (1337 هجرية) والمطبوع في الهند على نفقة الشيخ عبدالمحسن بن مرشد، وفي ميدان الصحافة تجد أن مطبوعة (قافلة الزيت) كانت تصدر كمجلة شهرية ولها شقيقة صغرى تحمل العنوان نفسه لكنها صحيفة أسبوعية كانتا تصدران في وقت واحد، وكذلك مطبوعة (الندوة) التي صدرت بالتزامن كمجلة شهرية وأخرى صحيفة يومية، ومن نباهته -رحمه الله- أنه كان يذكر اسم الكتاب في طبعته الأولى ويلحق معه اسمه إذا غَيّر المؤلف عنوانه في الطبعة التي تليها ككتاب (أبو زامل) للأديب أحمد السباعي الذي غير اسمه إلى (أيامي) في الطبعات التالية، وديوان (الطلائع) للشاعر والكاتب الإسلامي أحمد محمد جمال الذي أصبح عنوانه في الطبعة الأخرى (وداعاً أيها الشعر)، وكذلك كتاب (دروس من ماضي التعليم وحاضره بالمسجد الحرام) للشيخ عمر عبدالجبار الذي ارتأى إلى أن يكون عنوانه في الطبعة الثانية (سير وتراجم)، ناهيك أنه يلقي الضوء على عدد من المطابع التي قامت علي خدمة كُتُبِنا كمطبعة مصطفى البابي الحلبي ومطبعة المنار ومطبعة المدني ومطبعة منفيس بالقاهرة والمطبعة الماجدية ومطبعة أم القرى بمكة المكرمة ومطبعة الأصفهاني بجدة، بل تراه دوماً يعود إلى ما خطه جمهرة من المهتمين في هذا الفن كمرجع لكتابه حتى لا يعدم المصداقية أمثال: الشيخ عمر عبدالجبار والشيخ حمد الجاسر والأديب عبدالسلام الساسي والأديب والمؤرخ عبدالقدوس الأنصاري والكاتب والمؤرخ الصحفي عثمان حافظ والأديب والمؤرخ محمد علي مغربي والشاعر والناقد عبدالله بن إدريس والعلامة خيرالدين الزركلي والعالمان كوركيس عواد وإليان سركيس والدكاترة أحمد الضبيب ويحيى بن محمود جنيد وبكري شيخ أمين وشكري العناني وإبراهيم الفوزان ومحمد الشامخ وعبدالرحمن العبيد وعلي المرهون ومحمد سعيد المسلم وغيرهم، وذلك للتحقق والتثّبت وعدم إلقاء الكلام على عواهنه، ناهيك أنه كان طُلْعَة نقَّاب متمرس فيأخذ الأخبار من مظانها فجاء كتابه يتحدر في نسق عجيب ليشفي غلة القارئ. لقد أنفق الدكتور علي جواد الطاهر ردحاً من عمره حينما هبط العاصمة الرياض عام (1383= 1963م) ليكون أستاذاً بجامعتها قادماً من بغداد وليخرج هذا السفر الضخم في أربعة أجزاء تضم (1994) صفحة، بينما كانت درة الكتاب خاتمته الباذخة التي جاءت مطولة نافت على (150) صفحة لأني أراها في نظري مهاداً شاملاً عن الحياة الثقافية في المملكة فلم تفر منه شارة ولا واردة إلا أحصاها، حتى أنه يوصي في خاتمة الخاتمة أن لا يقف هذا المعجم عند هذا الزمن (الطبعة الثانية - 1418) بل يواصل الباحثون ما استجد من ثمرات المطابع حتى يكون مرجعاً للباحثين وطلاب العلم. وفي زعمي أننا لن نجد لهذا الفن من أحد أكثر نشاطاً من الأديب والببليوغرافي الأستاذ خالد أحمد اليوسف لتخصصه وبراعته ودقته في البحث والتقصي. هذا وقد زاد في أهمية هذا المعجم إشراف علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر على طبعه لكونه قد نشره منجماً من قبل على صفحات مجلته (العرب) دون أن ينال الطاهر عائداً مادياً رغم إلحاح الشيخ الجاسر عليه ثم لا ننسى النفحة الكريمة والأيادي السابغات للأمير سلطان بن عبدالعزيز في تحمل تكاليف طبعه، وقبل أن أنسى أود أن أُذكِّر بأن بذرة هذا المعجم يعود فضلها للأديب الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي الذي حسَّن للطاهر وزين له أن يكتب في الشأن الأدبي السعودي فجاء هذا الأثر الكبير. إن العالم الفذ علي جواد الطاهر يقف إلى جانب هذا الكتاب على جمهرة من المصنفات المهمة تربو على الخمسين كتاباً بين تأليف وتحقيق في الدرس الأدبي ونقد الشعر والدراسات اللغوية والدراسات السردية والأبحاث التاريخية والتربوية ومناهج البحث الأدبي إضافة إلى عضويته في عدد من المجامع العلمية والمؤسسات الثقافية التي تعتز بانضمامه إليها. لقد عكف الدكتور الطاهر على إنجاز هذا الكتاب عكوف الصب المدنف، وأغلب الظن أن شخصية علمية كالطاهر لا بد وأن تكون محوراً لدراسة موسعة في رسالة علمية أو كتاب يحتفي بجهوده الكبيرة ككتاب (علي جواد الطاهر وجهوده في التاريخ للأدب في المملكة العربية السعودية) للباحث الدكتور عبدالله الحيدري الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز. رحم الله العلامة أبا رائد وطيب الله ثراه. د. أحمد الضبيب د. يحيى بن جنيد