د. علي جواد الطاهر - رحمه الله - شخصية عراقية علمية وفدت إلى المملكة العربية السعودية بتاريخ 21 /5/ 1383ه، وكانت مهمته الأستاذية بجامعة الملك سعود كلية الآداب مادة الأدب الحديث، لكن المهم ليست هذه المهمة، فالكثير من الأساتذة من مختلف الدول العربية وفدوا معه بشأن التدريس في مختلف جامعات المملكة، ولكن هذه الشخصية استثناءً خدمت المكتبة السعودية بمشروع ضخم وموسوعة جامعة عن الكتاب السعودي ومطبوعات المملكة، وهو عمل يشكر عليه المؤلف، ولم يرد بذلك إلاّ خدمة الباحثين وطلاب العلم والقراء، ولم يكن هذا المشروع الضخم الزاخر بدافع من جامعة الملك سعود، أو تكليف من مؤسسة علمية، أو حكومية رسمية في الدولة، لكنه الدافع العلمي المجرد فقط، وحُب البحث والاستقصاء، وقد أطلق على هذا العمل (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية)، وسوف نتكلم عن هذا الكتاب الذي يُعد مفخرة لهذا العالم، ونتحدث عن سيرته العلمية وآثاره ومؤلفاته وعمن تحدث عن شخصيته. وُلد د. علي جواد الطاهر العام 1340ه بالعراق بالحلة، وتعلّم فيها ثم نال شهادة اللغة العربية من دار المعلمين العالية ببغداد العام 1945م، ثم سافر إلى مصر ودرس هناك في تخصص اللغة العربية كلية الآداب جامعة فؤاد الأول وتخرّج العام 1948م، وكان لديه طموح في إكمال الدراسات العليا فنال الدكتوراه من جامعة السربون العام 1954م ثم عاد إلى العراق ليخدم وطنه فعُيِّن أستاذاً بدار المعلمين العالية التي كان تلميذًا فيها قبل عدة سنوات، ثم أستاذا بكلية الآداب بجامعة بغداد، ثم رحل إلى المملكة في هذه الرحلة المثمرة المباركة الطيبة النافعة العام 1383ه أستاذاً بكلية الآداب جامعة الملك سعود. قدّم خدمة للحركة الفكرية والأدبية والتراثية عبر إعداده موسوعة عن الكتاب السعودي طاقة وجهد يروي د. علي جواد الطاهر قصته مع (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية)، حيث إنه نوى وعزم على أن يبحث في الأدب الحديث السعودي، فكان هذا الموضوع هو المدخل لبداية العمل المعجمي الذي بدأ فيه من تلك اللحظة، فكانت لحظة مباركة من رجل أسدى هدية لا تُقدّر بثمن لهذا الوطن وهو هذا المعجم، فأصبح ينقب في المطبوعات في مكتبات الرياض العامة وهي قليلة جدًا في العام 1383ه وما بعده، وكان في جُعبته دفتر صغير يسود صفحاته بكل كتاب لمؤلف سعودي مسجلاً اسم المؤلف وتاريخ الطبع وعدد الصفحات وذكر شيء من المقدمة وبعض الفوائد لهذا الكتاب سواء كان كتابا أدبيا أو إسلاميا أو في أي من مجالات العلوم. كان د. علي يجتمع بالأدباء والمثقفين ليسمع منهم ويستفيد من عالم الكتاب السعودي والحركة الفكرية والأدبية، لم يخلد هذا العالم العراقي إلى الراحة مكتفياً بواجبه كأستاذ في كلية الآداب، بل استنفر جهده وطاقته وصحته ووقته في هذا المشروع الخالد، وألزم نفسه هو ما لم يلزمه به أحد، وفرضه على نفسه وسخر الله هذا العالم العراقي للمكتبة السعودية بأن يخدمها أعظم خدمة، وأجلَّ عمل في حصر هذه المطبوعات السعودية في كتاب يعتقد مؤلفه أنه قد غطى مادته في الأغلب العام. يقول د. علي جواد طاهر في مقدمة كتابه معجم المطبوعات: أما كيف حصلت على هذه الكمية - أي من أسماء الكتب والمطبوعات - فبالجهد والتعب والعرق وأشياء أخرى، ولو لم يكن العمل في أول أمره حبًا وهوايةً، أو لو لم يصبح بعد ذلك رسالة وواجباً لما أكملت ما تحملت ولطويت المشروع مؤثراً نفسي كثيراً من الراحة وما إلى الراحة، كنت أحمل معي دفترًا صغيراً أخصص فيه لكل مؤلف صفحة أضمنها اسم الكتاب ومحتوياته وتاريخ طباعته ومكانه وعدد الأجزاء والصفحات وما إلى ذلك مما يتصل بالكتاب أو بحياة المؤلف. صدى جيد وقد حدد د. علي جواد الطاهر زماناً للمطبوع السعودي منذ العام 1344ه وآخر تاريخ للمطبوع السعودي الذي يشمله المعجم هو 26 /3/ 1388ه، وهو تاريخ عودة المؤلف إلى وطنه العراق، ومدد التاريخ إلى العام 1390ه، وليته مكث في المملكة ليتابع كل ما صدر من كتب سعودية ومُدِّدَ في عقده للدراسة، بل لو فرغ تفريغاً كاملاً لأنجز هذا المشروع الثقافي، مع أنه أنجز هذا العمل من دون تفرغ بل كان مشغولاً بالتدريس بكلية الآداب، وفعلاً وواقعاً من هذا العالم العراقي الذي أحب هذا الوطن من تلقاء نفسه ورأى من واجبه كباحث أن يخدم هذه الحركة الفكرية والأدبية والتراثية في المملكة، وحينما تجمع لديه كمية ضخمة من المادة لهذا المشروع ورتب أوراقه الكثيرة ورتبها على حروف المعجم لأسماء المؤلفين شرع في توحيدها وتبيضها حتى تنشر وتطبع، ولكنه تريّث ورأى رأيًا موفقاً وحسناً ومثمرًا وهو أن يعرض هذا المشروع على أهل العلم والفكر والمثقفين من أبناء الوطن، وكان أن تكلم مع الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - رئيس تحرير مجلة العرب وصاحب امتيازها في أن ينشر هذه حلقات وسلسلة من هذا المعجم، فرحب الشيخ حمد بالفكرة وفتح له صفحات المجلة، وكان الهدف من هذا النشر في المجلة أمرين - كما يقول العالم العراقي في مقدمة كتابه معجم المطبوعات - وهما: الأول: الاطمئنان إلى الصحيح منها، والثاني: تصحيح الخطأ وإكمال النقص بالتنبيه على من لم يذكر من الأعلام وما لم ينص عليه من الأجزاء والصفحات والمطبوعات وتواريخ الطبع وأسماء المطابع وأماكنها، وقد طلب من القرّاء عامة أن يرسلوا بكل ملاحظة أو نقد على عنوانه في العراقبغداد كلية الآداب أو على عنوان مجلة العرب، وهكذا كانت هذه الفكرة في قمة النجاح وأصبح لهذه الحلقات صدى جيّد وتجاوب القراء وأرسلوا ملاحظاتهم ونقدهم على الحلقات مما يراه يثبته مؤلف هذه الموسوعة. مكتبات البطحاء ويحكي د. علي جواد الطاهر المعاناة التي واجهته حينما بدأ بالمشروع وأصر على التنفيذ بداية من أول كتاب قرأ وهو في العراق ولم يلق له بالاً وهو كتاب أدب الحجاز للأديب محمد سرور الصبان - رحمه الله -، ولكنه لما ذهب إلى المملكة اكتشف أن هذا الكتاب له أهمية كبرى في شأن الأدب السعودي الحديث، ومن هنا بدأت مرحلة البحث عن كل كتاب سعودي يوثق حركة الطباعة والنشر، ولا ينسى العالم العراقي تجواله في مكتبات البطحاء بالرياض التجارية، ومنها مكتبة النهضة ومكتبة النصر ومكتبات بحي دخنة، وقبلها عرّج على مكتبة الرياض السعودية الواقعة في حي دخنة وهي أول مكتبة عامة حكومية تفتح في الرياض افتتحت العام 1372ه، وجال فيها العالم العراقي وأخذ يطالع فهرس المكتبة، وتوالت الزيارات المتكررة لهذه المكتبة صباحاً إن أمكن ومساءً يوميًا، وبدلاً من أن يطلب الكتاب من أمين المكتبة طلب من أمينها أن يبحث بالكتب بمفرده حتى يظفر بضالته المنشودة من دون أن يستعين بأحد، ولقد سر العالم العراقي بهذه المكتبة السعودية التي وجد بها مجموعة جيّدة من المؤلفات السعودية ولعلها أطول مدة مكثها في التنقيب عن الكتب بهذه المكتبة، وأصبح يداوم بها كأنه موظف؛ لأنه كان يخدم نفسه بنفسه فيها، وهذا نموذج من حركة البحث في المكتبات التي زارها هذا العالم العراقي في الرياض لما كانت هذه المدينة صغيرة ولم يكن هناك دار كتب وطنية تلزم المؤلفين وأصحاب الدراسات بالإيداع الرقمي في المكتبة كما هو الشأن الآن في مكتبة الملك فهد الوطنية، ولقد تعب تعباً كثيرًا في حصر المؤلفات السعودية سواء تأليفا أو تعليقا أو تحقيقا أو مراجعة، وتصوّر كيف أنه يقلِّب الكتب لوحده مع تراكم الغبار واستنشاقه. تسجيل ورصد وعندما انتهى د. علي جواد الطاهر من هذه المكتبة انطلق إلى مكتبة أخرى؛ وهي مكتبة الشاعر حسن قرشي في منزله، وتحصّل على قوائم أعدتها وزارة المعارف بأسماء الكتب، وكانت زيارته لمكتبة الأديب حسن قرشي مفيدة، فهو خبير بالكتب والكتاب وأهداه دليل المؤلفات السعودية أعدته وزارة المعارف العام 1384ه، وهذا الدليل أعد لأجل معرض الكتاب الدولي العاشر بلبنان، وقد زار د. علي جواد الطاهر مكتبة وزارة المعارف واستفاد منها في مشروعه - كما يروي رحلته - ومعه الدفتر الأخضر الذي يسجل فيه ويرصد ويقيِّد كل ما من شأنه يدعم موسوعته، وكان يذكر تلميذين من تلامذته في الجامعة وهما عبدالله العميل وعبدالله الغليقة اللذان كانا الدليل له في زيارات لأدباء الرياض مثل عبدالله بن خميس وكذا زياراته لمكتبة الرياض السعودية، ومن الطريف في الأمر - كما يروي هو - حينما كان يتجول في شارع البطحاء بالرياض ودخل مكتبة صغيرة فكرر زيارته لهذه المكتبة وكان يشتري بعض الكتب لأجل أن يبرر مكوثه الطويل بالمكتبة ومعه دفتره الذي يسجل فيه ما يراه مناسباً في مشروعه، ومكتبة أخرى بالبطحاء تضايق صاحبها منه حينما رآه يسجل معلومات عن نسخة تاريخ نجد لابن بشر، وكان يريد شراءه لكن السعر كان غاليًا في ذاك الزمن وهو ثمانون ريالاً، ولما شاهده صاحب المكتبة يسجل ما في الكتاب سحبه من يده وتكلم عليه!. خدمة العلم هذا موجز لسعي وجهد د. علي جواد الطاهر إبان مكوثه في الرياض لأجل مشروعه - وهو إعداد معجم لمطبوعات المملكة -، وقد سافر إلى المنطقة الغربية وكذلك الشرقية لعله يحصل على معلومات بشأن الكتاب السعودي، رحلة طويلة امتدت خمس سنوات لم ينقطع خلالها عن البحث والكتابة والتسجيل والسؤال، لا يريد من عمله ذلك جزاءً ولا شكوراً سوى خدمة العلم والمكتبة السعودية، وبعد نشر الحلقات في مجلة العرب وكانت ستاً وخمسين حلقة طبع الجزء الأول من هذه الموسوعة وبعدها سعى حمد الجاسر إلى إصدار بقية الأجزاء مشكوراً ونشرتها دار اليمامة العام 1418ه في أربعة مجلدات، وهذا ما يذكر ويشكر للجاسر على حرصه واهتمامه الأول بهذا المعجم بداية من نشر الحلقات في مجلة العرب ثم تحمله أعباء النشر الأولى ثم الثانية التي راجعها وعلّق عليها وصححها وأشرف عليها، وكان همه الأول في ذاك الوقت أن تنشر. نقد أدبي وتميز د. علي جواد الطاهر - رحمه الله - بالنقد الأدبي فهو من علماء النقد الأدبي في العراق، وألّف كتاب ملاحظات على الموسوعة العربية الميسرة، وكتاب ملاحظات على كتاب، وفيات الأعيان للعلامة الكبير أحمد بن خلكان - رحمه الله - من علماء القرن السابع، وكتاب الخلاصة في مذاهب الأدب العربي، وكتاب المرزوقي شارح الحماسة ناقداً، وجمع وحقق ديوان الخريمي بالمشاركة، وكذلك جمع ديوان الجواهري بمشاركة من بعض الأساتذة في العراق، وقد صدر كتاب عن حياته ألفه عراقي اسمه حميد المطبعي. عشق الكتاب توفي د. علي جواد الطاهر العام 1417ه، فقد كانت حياته كلها للبحث فهو راهب في محراب العلم والمعرفة وعشق الكتاب العربي وأحبه ونقده وألف فيه وحقق ودقق. يقول حسن البياتي عن د. علي جواد الطاهر في رثائه أجل يا صفي كل امرئ عرفك وأن لحظة من لحظات الزمن، أجل يا حبيب كل نبت من أغراسك السامقات النافحات طيباً وحباً، كان رحيلك عناً حدثاً جللاً فقد كنت الملاذ الآمن الأمين الذي كنا نأوي إلى ظله. وذكر حمد الجاسر انطباعه عن شخصية العالم العراقي د. الطاهر قائلاً: لقد أدركت منذ الوهلة الأولى من اجتماعي بالدكتور أنني أمام طراز آخر من العلماء الذين سعدت بمعرفتهم ممن أمتاز بسماحة الخلق ورحابة الصدر وشدة التواضع. عطاء مميز وقال د. يحيى الجبوري عن ألمه وحزنه برحيل د. علي جواد الطاهر - رحمه الله -: فجعت الأوساط الأدبية والعلمية بوفاة الدكتور، هو علم من أعلام الثقافة العربية وأديب من أدبائها البارزين، فقد أعطى على مدى نصف قرن عطاء مميزاً من علمه وأدبه وتخرّج جيل من الأدباء والباحثين الذين يعرفون علمه وأدبه وفضله، ورغم المرض كما يذكر الأستاذ د. الجبوري فلم يترك القلم منذ أن عرفه حتى أسلم الروح، ففي مرضه واصل كتاباته في مجلة العرب حول سلسلته كتب وفوائد، وهي غير سلسلة معجم المطبوعات، وصدرت له كتب في الأردن ولبنان وما زال يواصل مسلسل المقالات الرصينة المتقنة، ويقول د. يحيى الجبوري: وقبل أيام أذاعت الصحف والإذاعات نبأ وفاة الدكتور الطاهر الذي أسلم الروح إلى بارئها وانتهت بذلك قصة الجسم الضعيف، وبقي وسيبقى علم وفكر وأدب وفضل الطاهر وسيبقى دائماً العطاء المثمر والغرس النامي الذي بذره ورعاه وحسنه وهذبه فأينع وأثمر. رحم الله د. علي الطاهر وجعل الفردوس مستقره ومثواه، فقد أهدى كما قلت هدية للمكتبة السعودية لا تقدر بأي ثمن وخلّد اسمه بهذه الموسوعة في تاريخ المكتبة السعودية، وقد استفدنا من كتابه (معجم المطبوعات) الجزء الرابع الشامل للمراثي والفهارس الذي أصدره الشيخ حمد الجاسر الذي صدر بعد وفاته. .. وهنا مع تقدمه في العمر حمد الجاسر - رحمه الله - نشر كتاب معجم المطبوعات في المملكة د. الطاهر تجول في مكتبات الرياض من أجل الحصول على معلومات الكُتب