نطرح في هذا الأسبوع شخصية مشهورة وليست مغمورة، سوّقت نفسها وطرحت نثرها وشعرها للناس، عاشت في القرن الماضي الهجري وتنوعت مواهبها فيما بين شعر وقصة وتاريخ وصحافة، وكذلك إدارة، فكانت متعددة المواهب؛ إنه المؤرخ والأديب والقاص والإداري خالد بن محمد الفرج -رحمه الله- أحد أعلام الخليج العربي، مع أن الله عز وجل لم يطل في عمره إذ توفي وعمره 58 عاماً، إلاّ أنه استطاع أن يخلِّد اسمه وذكره في الساحة الشعرية والأدبية، ثم بعد هذا لم يكن فقط منزويًا في محراب الأدب والشعر، بل طرح رأيه من خلال الكتابة في الصحف وكذا شعره عن قضايا الأمة العربية في ذاك الزمن، وكل قضية يرى فيها أنه يجب إبداء رأيه ونظرته، لا يتردد في هذا إما شعرًا أو نثرًا، فكان رحمه الله إيجابيًا ذا إحساس بهموم مجتمعه وعالم أمته العربية والإسلامية، ولعلي أطرح شيئاً يفيد عن حياته في هذا التقرير عنه. هو خالد بن محمد الفرج من مواليد دولة الكويت العام 1316ه -كما يذكر هذا التاريخ الفرج نفسه- فمن حسن الحظ أن الأستاذ المبدع الفرج كتب نبذة عن سيرته نشرها الباحث عبدالرحمن الشقير في ترجمته لخالد الفرج في تحقيقه لكتابه (الخبر العيان في تاريخ نجد)، وهذه النبذة التي كتبها الفرج تبين تنقلاته المتكررة في أنحاء الخليج والهند وتفصل ما أجملته المصادر التي تحدثت عنه، وليته كتب عن حياته بالتفصيل وتحدث عن أيامه وسنواته وتجاربه في الهندوالبحرين وفي المملكة العربية السعودية، فهو شاهد عصور لأحداث كبرى وأدرك الحرب العالمية الأولى والثانية، وغيرها من الأحداث الأخرى، فهذه النبذة التي كتبها عنه وحياته لا تفي بالغرض المنشود لشخص عَلَم من أعلام الخليج العربي وإحدى الشخصيات التي كتبت في التاريخ. مدرسة المباركية تعلم خالد الفرج -رحمه الله- في مدرسة «المباركية»، والتي كانت أول مدرسة نظامية تفتح في الكويت العام 1330ه -1911م- وهذا كان بعد رجوعه من الهند في سفرته الأولى العام 1326ه ومكث في الكويت حتى العام 1333ه، يقول: الأستاذ عبدالله بن أحمد الشباط في كتابه (شاعر الخليج) عن خالد الفرج: ثم التحق بالمدرسة المباركية بعد افتتاحها حتى أكمل الصف السادس ولما كان يتميز به من الذكاء والفطنة استعانت به إدارة المدرسة للقيام بتدريس بعض الصفوف. كانت رحلة خالد الفرج -رحمه الله- إلى الهند الأولى بتاريخ 1323ه، حيث كان أبوه يعمل بالتجارة -كما يذكر الفرج في نبذته- ويذكر العلامة الزركلي في ترجمته لخالد الفرج في كتابه (الأعلام) أنه توظَّف عند أحد تجار الكويت، ولعل هذا كان في سفرته إلى الهند العام 1336ه حيث أقام أربع سنين، مع أن الفرج لم يذكر أنه توظف -في نبذته- عند أحد تجار العرب في الهند. تأسيس مطبعة رحل خالد الفرج -رحمه الله- في العام 1336ه إلى الهند، وهذه هي السفرة الثالثة لها، إذ سبق هذا التاريخ أن سافر الفرج إلى الهند العام 1333ه، وقبلها العام 1323ه، لكنه لم يمكث طويلًا -كما في نبذته التي كتبها- وفيما بين العام 1333ه و1335ه ذهب إلى القطيفوالبحرين وأقام في البحرين عدة أشهر، وفي هذه الرحلة كما يقول خالد الشباط في كتابه عن الفرج: وفي مسيرة الجهاد -أي حياته- نراه يغادر الكويت الى بومبي سنة 1336ه، فلما طاب له المقام استقر وعمل لدى أحد التجار الكويتيين كاتبًا، انكب على دراسة اللغة الإنجليزية واللغات الهندية مما أتاح له الاطلاع على آداب الهند وطبائعهم، وحرصًا منه على خدمة العروبة والإسلام أسس مطبعة أسماها المطبعة العمومية، ولعله أول خليجي يؤسس مطبعة عربية، التي قام من خلالها بطبع بعض الكتب الأدبية باللغة العربية وقضى في الهند خمس سنين عانى خلالها مشكلات الطباعة ليهجرها عائدًا إلى الكويت -انتهى كلام الشباط-، وفي هذه المرحلة طبع في مطبعته التي أنشأها بالهند ديوان ابن عمه الشاعر المبدع البليغ الموسيقار عبدالله الفرج -رحمه الله- العام 1338ه وهذا تاريخ مبكر جدًا لنشر ديوان شعبي لشاعر خليجي في هذا التاريخ، فهذا الديوان يُعد من أوائل المطبوعات الشعبية، فهو في هذا رائد في نشره لهذا الديوان، ورائد في تأسيس مطبعة عربية بالهند، وأثناء وجوده بالهند مدح بقصيدة المهاتما غاندي الهندي المشهور، وكذلك بدأ يكتب مقالاته في جريدة الأخبار المصرية عن الاستعمار البريطاني. شعلة نشاط هذه تجربة خالد الفرج -رحمه الله- في الهند قضاها ما بين نظم أشعار وكتابة مقالات وتعلُّم اللغات وتأسيس مطبعة، فكان شعلة نشاط وحركة دائمة لا ينتهي من عمل إلاّ ويشرع في عمل آخر طيلة حياته القصيرة، فتجربته هذه في الهند ثرية وغنية بالأعمال ولو لم يكن فيها إلاّ تأسيس مطبعة ونشر ديوان ابن عمه الشاعر المشهور عبدالله الفرج لكفاه عملًا نافعًا وخالدًا باقيًا، والعجيب أن خالد سعود الزيد -رحمه الله- الذي يعد أول من أعد دراسة عن حياة خالد الفرج ونشرها العام 1969م، لم يذكر هذا الديوان لعبدالله الفرج الذي جمعه خالد الفرج كعمل من أعماله، وأثر من آثاره، وتبعه في ذلك عبدالله الشباط في كتابه عن خالد الفرج بعنوان (شاعر الخليج)، وذكر العالم العراقي على جواد الطاهر -رحمه الله- في موسوعته (معجم المطبوعات العربية) ناقلًا الطاهر كلام عبدالله الحاتم -رحمه الله- عن هذا الديوان قائلًا -أي الحاتم- أول ديوان طبع ديوان الشاعر عبدالله بن فرج.. انتهى كلامه. وفي العام 1344ه استقر الأديب والمؤرخ والتربوي خالد الفرج -رحمه الله- في البحرين وتولى في البحرين سكرتارية المعارف -كما يذكر هو في نبذته- ثم بعد ذلك عُيِّن في سكرتارية بلدية المنامة العام 1345ه، وفي البحرين عُيِّن في المجلس البلدي وعُيِّن أستاذًا في المدرسة الخليفية، كما في المقالة التي نشرت بُعيد وفاته في مجلة اليمامة بتاريخ جمادى الأولى العام 1374ه السنة الثانية. مطبعة الدمام وفي العام 1346ه استقر خالد الفرج -رحمه الله- بالمملكة العربية السعودية وأصبح أحد مواطنيها ويرجع ذلك إلى أنه دعاه السيد هاشم الرفاعي وكان مسؤولًا عن إدارة مالية مدينة القطيف عارضًا عليه أن يساعده فيها، وحظي بشرف مقابلة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من ذلك التاريخ ورحب به المؤسس، عرض عليه وزير المالية آنذاك عبدالله السليمان الإشراف على الإذاعة السعودية فقام بتنسيقها والإشراف على برامجها -من كلام علي جواد الطاهر من كتابه (معجم المطبوعات)، وبعدها تولى تأسيس بلدية القطيف، ويُعد خالد الفرج أول رئيس لبلدية القطيف وقد كلفته الحكومة ببناء قصر في بلدة قرية على الحدود العام 1354ه، ثم استقال من بلدية القطيف العام 1359ه وتفرّغ لأعماله الحرة. وأسّس خالد الفرج -رحمه الله- أول مطبعة بالدمام العام 1370ه وأطلق عليها المطبعة السعودية، وكانت تُطبع فيها مجلة «أخبار الخليج» في أعدادها الأولى. ملحمة شعرية وكان قلم المؤرخ خالد الفرج -رحمه الله- سيالًا متدفقًا، وكان الشعر كذلك يتدفق من لسانه بسهولة وسلاسة، فهو شاعر وناثر في آن واحد، فكان استقراره في المملكة وتوطُّنه فيها سببا تأليفاته عن تاريخ المملكة العربية السعودية وتاريخ الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- وخصوصًا عن الملك المؤسس الذي شاهده والتقى به وعاصر أحداثًا ليست قليلة عنه، لذلك كتب هذه المؤلفات التاريخية بنظمه، وقد نظم أول ملحمة شعرية عن الملك عبدالعزيز أطلق عليها «أحسن القصص»؛ وهي ملحمة شعرية عن سيرة الملك عبدالعزيز منذ ولادته حتى دخول الحجاز، وبهذا تكون ريادة المؤرخ خالد الفرج بأن نظم أول ملحمة شعرية في الملك المؤسس. الخبر والعيان وكتاب خالد الفرج -رحمه الله- (الخبر والعيان في تاريخ نجد) ظل مخطوطًا مدة طويلة منذ أن كتبه حتى أتى الباحث النشط عبدالرحمن الشقير فنشر هذا مشكورًا، وحققه بالرجوع إلى عدة نسخ خطية بخط الفرج، وقد استفدت من ترجمته لخالد الفرج، وأصل الكتاب -كما يذكر الشقير- منظومة شعرية قصيدة بائية على بحر الطويل، رفعها إلى الملك عبدالعزيز في 12 شوال العام 1346ه ووصفها بأنها الحلقة الأولى في قصيدة نجد وهي منظومة ضمنها خلاصة تاريخ نجد من أول قيام الإمام محمد بن سعود إلى دخول الملك عبدالعزيز الحجاز وتقع في 229 بيتا، ثم أعقبها بقصيدة على الوزن والقافية في 174 بيتًا، ثم قام الفرج بشرح هذه القصيدة مضيفًا إليها الكثير من الحوادث والوقائع التي أهمل ذكرها في المنظومة -من مقدمة الباحث عبدالرحمن الشقير بتصرف يسير-. ديوان النبط والمشروع الآخر لخالد الفرج -رحمه الله- هو كتابة (ديوان النبط)، وهو مجموعة من الشعر العامي في نجد مفسرًا بعض ألفاظه، ويضم الجزء شعر حميدان الشويعر ومحمد بن لعبون وعبدالله بن ربيعه وعبدالله بن سبيل، أمّا الجزء الثاني فيضم شعر محمد العبدالله القاضي وأبناءه عبدالعزيز وإبراهيم، والشاعر محمد بن صالح القاضي، والشاعر محمد العوني، وقد طبع هذا الكتاب العام 1371ه، وكان المشجِّع الداعم لهذا المشروع هو وزير المالية آنذاك الشيخ عبدالله السليمان وهو أول مشروع لجمع الشعر الشعبي في نجد على يد واحد من أهل الجزيرة العربية، وكان القائم بحشد النصوص من أفواه الرواة هو الأديب والرواية والمؤرخ محمد بن بليهد، كما ذكر ذلك الشيخ سعد بن جنيدل في مقابلته في جريدة الجزيرة، حيث كان هو المعاون للشيخ ابن بليهد في كتابة النصوص الشعرية، وقد سمعت الشيخ سعد بن جنيدل يقول: إن أحسن جمع للشعر الشعبي هو كتاب (ديوان النبط)؛ لأنه أخذ من الرواة أنفسهم مباشرة من دون أي تغيير أو تبديل، وكان حديثه لي في منزله -رحمه الله- قبل وفاته بسنوات، وله كتاب اسمه (علاج الأمية في تبسيط الحروف العربية) طبع العام 1372ه. شاعر الخليج وأُطلق على خالد الفرج -رحمه الله- شاعر الخليج؛ والذي أطلق عليه الصحفي الشهير والكاتب محمد علي الطاهر -رحمه الله- صاحب جريدة الشورى، كما ذكر الباحث عبدالله الشباط في كتابه عن خالد الفرج بعنوان شاعر الخليج، وقد أصدر خالد الفرج ديوانه قبل وفاته بعام، صدر منه الجزء الأول العام 1373ه، وشعره سلس فهو مطبوع على الشعر، وهو طويل النفس في الشعر، إذ نجد أنه أحيانًا يطيل في القصيدة، وأمّا القصائد التي نظمها في تاريخ الملك عبدالعزيز بعنوان «أحسن القصص»، وقصيدته الأخرى البائية التي شرحها في كتابه «الخبر والعيان»، فهذا دليل على تمكُّنه من النظم ورسوخ قدمه فيه، ولم يترك الفرج أي مناسبة اجتماعية أو وطنية إلاّ وشارك فيها بنظمه وقصائده، فهو رحمه الله من شعراء العصر الحديث في المنطقة، وأحد أعلام الشعر. أُصيب خالد الفرج بمرض الربو -كما تذكر المقالة التي نشرتها جريدة اليمامة بُعيد وفاته- وكان يعاني منه وتوفي في بيروت، وكان قد استقر في الشام، وتوفي في ربيع الثاني لعام 1374ه. رحم الله خالد الفرج وغفر له، كان ذا عطاء كثير وسخاء طيلة حياته القصيرة ملأها بالأعمال الإدارية والمؤلفات والشعر والأدب والحركة الدائمة. الشاعر عبدالله الفرج -رحمه الله- ابن عم خالد الفرج سيرة الملك عبدالعزيز في ملحمة أحسن القصص كتاب الخبر والعيان للفرج مقالة رثائية في الفرج بصحيفة اليمامة بتاريخ جمادى الأولى 1374ه أول ديوان يُطبع في مطبعة خالد الفرج بالهند