استضافت صالة داما آرت للفنون بجدة المعرض المفاهيمي «من نور» لعضو الجمعية السعودية للفنون التشكيلية الفنان أحمد حسين الغامدي، وكان لي شرف الحضور لهذا المعرض الفريد من نوعه، الذي استحضر فيه حرف (الألف) بلغاته وأقلامه المتعددة، هذا الحرف الذي يمثل أول صوت من حروف الهجاء، يعني البداية لكل شيء. وفي قراءة «سيميائية» لهذه التجربة نجد أن المعرض احتوى بين جنباته على أعمال أبرزها عمل معلق لفت نظر الجمهور، ورسم مساحة ممتدة من علامات الاستفهام، سرد فيه عدد من الأشكال والأقلام لحرف الألف بلغات مختلفة، يُرى من جميع الجهات، ويخرج من داخله نوراً يضيء المكان، في رمزية تؤكد على أن «العلم نور» للعقول، وللزمان والمكان، وتناثرت لوحات تصور هذا الحرف على استاندات العرض الأخرى، بينما تقبع منحوتة من البرونز داخل غرفة مظلمة يضيئها حرف الألف في شموخ وكبرياء، وهو معنى يتفق مع بيان الفنان الذي قال فيه: «يسرد المعرض بتلقائية يوماً من الذاكرة، بين جدران المباني صوت صامت يجلجل الشعور، وبين هذه الردهات ستتراقص ذاكرتك في مدرسة الحياة، تعلم الفنان أن العلم بالتقادم، والجهل يأتي عنوة، لكن (ألفاً نورانية) تغير المحتوى، ويحل معها النور، بها بدأ أول القرآن، وجوهر العلم، وخلاصة الحكمة (إقرأ)، هذا المعرض سرد معاصر، تنويه وتنوير». أما إذا صنفنا تجربة الغامدي في هذا المعرض ضمن «الاتجاه الحروفي» الذي حظي باهتمام محلي وعالمي سنجد أن تجربته تنتمي لجماعة «الحرف» -حسب تصنيف الناقد شربل داغر- وهم الذين يستحضرون الحرف الواحد في نصوصهم الفنية البصرية، أمثال الأردنية منى السعودي، والقطري علي حسن اللذان استحضرا حرف «النون» في منحوتاتهما، بينما استحضر الغامدي حرف «الألف» بلغات وأقلام متعددة وفق رؤية بصرية تخصه. وللربط بين الحرف والعلم عرض الغامدي فلماً حياً يصور قريته، ومدرسته الجميلة التي تخرج فيها بقاعاتها، وفراغاتها الداخلية، وألوانها، وزخارفها، ومكملاتها الخشبية المليئة بالزخارف والنقوش الغائرة والنافرة، التي أسهمت بما لا يدع مجال للشك في تشكيل رؤية الغامدي الفنية منذ الصغر. ولتحقيق التواصل البصري بين «المشاهد والملموس» أحضر كرسي مدير المدرسة، والطاولة التي كان يدرس عليها، إضافة إلى «مفتاح» إضاءة صغير وضعه على أحد حيطان المعرض المجاورة للمعرض للتأكيد أيضاً على النور الذي عنون به المعرض. بقي أن أذكر بأن هذا المعرض يعد المعرض الشخصي التاسع للغامدي، فقد سبقه ثمانية معارض شخصية؛ أذكر منها (كفن، وصباح الخير فرنسا، ورسالة، وقسطاس، والجودي..)، وشارك في عدد من المعارض المحلية والعالمية مكنته من الحصول على عدد من الجوائز؛ أهمها: المركز الأول في مسابقة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وجائزة الإبداع الفني من إدارة تعليم مكةالمكرمة، وجائزة الجنادرية، إضافة إلى جوائز اقتناء في مناسبات فنية متفرقة. *أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة الملك خالد كرسي المدير وطاولة الدراسة العمل المعلق لحروف الألف بأقلام ولغات العالم