كان الحديث ينساب بعذوبة بين شفتيه، يروي السيرة التي صيرته ما هو عليه الآن، بما فيها من مشاق ومكابدات وفتوحاتٍ، عملَ الصبي الصغير حينها بمثابرة على أن يكون في حالٍ أفضل من أقرانه، واختار ما كان يعتقد أنه مناسب له، حتى وإن خرج من صندوق العائلة والقرية والسائد، ليبحث عما يعينه على ملامسة السماء، وإن كان ذلك من بوابة العمل في مهنٍ لم يعتد كثيرٌ من مجايليه حينها على الاحتكاك بها! جلس مبتسماً، مرخياً ظهره للأريكة، متخففاً من الرسميات، كرجلٍ يستعد لأن يدع ريح الجبال العالية أو شمسها القوية أن تسطع على رأسه الحاسر إلا من قصص وتجارب هي لذةٌ للمستمعين. كان بودكسات "فنجان"، وجاء عبدالله القويز، ابن الدوادمي، الذي سلبته قمم الجبال قلبه، فراح يبحث عنها بين مفازات السعودية وأوروبا وآسيا، عله يقبض هنالك على الحكمة والسكينة اللتين هما غاية من تجاوز الثمانين من العمر، وأراد المزيد والمزيد! القويز الدبلوماسي، والإداري، ورجلُ البنوكِ، هو اليوم أقل رغبة في التدخل في حيوات الآخرين، حتى الأبناء والأحفاد، كما سرد حين دار "فنجان" القصص بين أصابع المحتسين؛ مبيناً أنه بعد كل هذي السنين من العمر، يرى أن حرية الاختيار والتجريب، هي الطريق الأفضل. فلو كنت أباً تريد الخير لعائلتك، فلا تكن غليظ النصيحة، تحمل عصاً مقرعة حتى لو كانت معجونة من حبٍ ووردٍ، لأن القلوب والعقول لن تبصرَ لونها الوردي، بل ستخشى لكماتها الموجعة! أن تزين المحلَ بعطرِ معرفة أو فكرة بسيطةٍ مهذبة، مدفوعة بالمعلومة وشيء من الود، سيكون ذلك أقوم سبيلاً، وأدعى لأن يؤخذ برأيك الذي تراه صائبياً، وقد يكون كذلك. لم يكن ذلك النخبُ الوحيد في خابية عبدالله القويز، بل كان القدحُ يشعُ جمالاً لا تخطئه عين، ولا يشيحُ عنه قلب؛ والمستمع يصغي للسرد الممتع عن قصص تجاوز عمر بعضها السبعين عاماً، دون تلعثم أو تردد أو نسيان. ذاكرة تشعرُ حيالها بالغبطة، في زمن كثر فيه النسيان والمشتتات، وضعفت فيه الذاكرة حتى لدى الطفل الصغير، فضلاً عن الكهول الذين احتضن زُمَراً منهم الزهايمر وغرز في أجسادهم أنيابه الحادة! أن يكون بصركَ اليوم حديداً، وبصيرتك حارقة كشمس الظهيرة، فذلك أمرٌ لا يتأتى إلا لمن عمل لسنوات على تمرين عقله وروحه، واهتم بجسده. القويز، أشار إلى أنه لا يأكل إلا القليل، وهذا القليل يهتم بنوعه. فضلاً عن أنه أصبح لا يقوم من المائدة وبطنه متخمة، بل يكتفي بأن يتناول ما يعتقد أن فيه الكفاية لتغذية الجسم. الأكل المتزن الصحي، رفدهُ القويز برياضة المشي بين الجبال، والذهاب نحو القمم العالية، وهي رياضة جسدية وروحية وذهنية في آن معاً. تقوي عضلات الجسم، وتحديداً الجزء السفلي، وتساعد على صحة القلب والدورة الدموية، وتحسن المزاج، وفيها شيء من التأمل والتدبر في الطبيعة، كلما ابتعد الإنسان عن المدينة، وامتزج بما حوله من شجر ونباتات وجداول ماء وثلوج ورياح وشمس وصخور ورمل وحيوانات وغابات! هي أيضاً رياضة يحتلُ فيها التنفس حيزاً مهماً. فأنت كلما صعدت الأعالي، قل الأوكسجين، ولذا، من المهم التدرب على كيفية القيام بعمليات التنفس الصحيحة، كي تزود الجسم بالقدر الذي يحتاجه من الأوكسجين، ما يجعل الأعضاء تقوم بعملياتها الحيوية على أكمل وجه، ويقوي العضلات ويقلل من تشنجاتها. عبدالله القويز، يعطينا درساً مهماً: عندما تعتني بصحتك الجسدية والروحية والذهنية، فأنت تستثمر في نفسك، وتعيش حياة أفضل، دون أمراضٍ وانحناء في الظهر وأقراص للضغط وإبر إنسولين، ودون أكفٍ مرتعشة وأحداق لا تستبين ما حولها. الحياة الأفضل هي بين يديك، فلا تركلها بعيداً عنك، لتندبَ اللبن المسكوب تالياً!