لقد كان بين يدي الملك عبدالعزيز منهج يستمد منه تصوره السليم للوحدة والقوة والتاريخ، وبمقتضى هذا الفهم وظف الملك عبدالعزيز تلك المرتكزات في نهضته الكبرى، فقد اتحدت وتفاعلت عناصر التاريخ والجغرافيا ليفسحا المجال لوحدة سياسية ثابتة.. يدور حديث احتفالنا باليوم الوطني عن الرجل الفذ الملك عبدالعزيز الذي كان هو العزيمة الوثابة وراء قيام المملكة العربية السعودية كما يعرفها الناس اليوم، فالحديث عن الملك عبدالعزيز يظل دائماً فريداً وممتعاً ومنعشاً وذا طعم مختلف. لقد كان التوحيد قراراً واعياً له دلالة كبيرة في التاريخ العربي الحديث، وذلك حين بدأ الملك عبدالعزيز مجهوده الجبار بتوحيد الجزيرة العربية تحت قيادة سياسية واحدة. ولم يكن التوحيد أمراً سهلاً بل كان عملاً مضنياً، استغرق ثلاثين عاماً من العام 1902م إلى حين إعلان قيام المملكة العربية السعودية في سبتمبر 1923. فعندما ننظر في واقعنا اليوم ندرك حجم النقلة الكبرى في تاريخنا الحديث. فلو ألقينا نظرة عامة على مجتمع الجزيرة العربية قبل التوحيد لوجدنا أن تحقيق هذا الهدف أقرب ما يكون إلى المستحيل. فقد كان الملك عبدالعزيز بالإضافة إلى عبقريته العسكرية المعروفة ذا حس سياسي خارق، إذ إنه لم يتوقف عند مجرد التوحيد بل توجه فوراً إلى تثبيت كيان الدولة تحت قيادة سياسية واحدة، بحيث تصير لها وحدة حضارية تواصل بها الرسالة التي قامت بها الجزيرة العربية قديماً في حياة البشرية. لقد أدرك الملك عبدالعزيز أنه ليس هنالك حل لمشاكل الجزيرة العربية إلا عن طريق فرض الوحدة وبناء مجتمع متجانس ومتلاحم يقوم على الوحدة الوطنية. ولذلك جاءت الوحدة في أوانها رداً على واقع اجتماعي كان غارقاً في دروب الفتنة والاحتراب. فقد كانت الجزيرة العربية شتاتاً متنافراً، ولم يكن في وسع الجزيرة العربية أن تحتفظ بحالة استقرار وتوازن إلا بعد التوحيد الذي أفسح المجال لوحدة سياسية أزالت تدريجياً ظروف الشتات، وأسفرت عن ظهور واقع جديد. فلأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية تتهيأ الظروف التي تساعد على قيام وحدة سياسية ثابتة. وقد أجمع المؤرخون على أن الوحدة التي شهدتها الجزيرة العربية تكاد أن تكون غير ممكنة بتقدير الله إلا بوجود شخصية الملك عبدالعزيز. ولذلك فاليوم الوطني يجر بصورة منطقية وطبيعية للحديث عن الملك عبدالعزيز. عبدالعزيز.. البساطة المأخوذة من الصحراء وحياة الصحراء.. البساطة المستعضدة بالإيمان. عبدالعزيز.. الصدق.. الصدق الذي هو صنو البساطة ونتاجها صدق بسيط يسيل بعفوية من الكلمات. عبدالعزيز.. الشجاعة صفة وصفه بها كل من عرفه. عبدالعزيز.. السلام. فقد كان هاجس الوحدة يلح على الملك عبدالعزيز، وكان ينادي بها كلما وجد فرصة لذلك، وهذا طابع السياسي الأريب الذي لا ينظر إلى مصلحته الشخصية. يقول موريس جورنو مؤلف كتاب الخليج العربي في معرض حديثه عن شخصية الملك عبدالعزيز: "إذا كان الملك عبدالعزيز قد نجح في لم شعث الجزيرة العربية تحت لوائه، وجعل من بلد مضطرب البلد الأكثر أمناً في العالم، فمرد ذلك ليس إلى القوة فحسب بل إلى أنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص والتماسك". ويقول جان بول مانيه: "لقد خلّف الملك عبدالعزيز مملكة شاسعة تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا، وبلداً يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول، وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي، لقد استطاع الملك عبدالعزيز في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة". لقد كان بين يدي الملك عبدالعزيز منهج يستمد منه تصوره السليم للوحدة والقوة والتاريخ، وبمقتضى هذا الفهم وظف الملك عبدالعزيز تلك المرتكزات في نهضته الكبرى. فقد اتحدت وتفاعلت عناصر التاريخ والجغرافيا ليفسحا المجال لوحدة سياسية ثابتة، تقوم على الإنسان والتاريخ فكانت الوحدة نقلة نوعية ونقطة تاريخية مفصلية، وعنصراً مهماً من عناصر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي مؤسسة لنهج حضاري جديد. فقد طرحت الوحدة مفهوما جديدا للإنسان المتطور والمفكر والفعال وأثرت تأثيرًا كبيرًا في الوعي المجتمعي وخلقت تجانساً ما بين قيم الانتماء الديني والوطني وقيم الانفتاح الإنساني. واليوم المجتمع السعودي متلاحم ومنسجم ومتحد على قاعدة وطنية تقوم على أساس الاحترام المتبادل لا فقط باحترام الإنسان في ذاته وإنما بالاحترام الطوعي كمفهوم مبدئي وقيمة أخلاقية، وقناعة ثابتة ومجتمع مفتوح على تنوعاته، يتمتع فيه الجميع بحقوق المواطنة، مستنداً على الوحدة الوطنية، فالانحياز للوطن واجب عملي وأخلاقي وشرعي، فالوحدة الوطنية هي الثابت الوطني الحقيقي. وربما يمر المؤرخون على هذه الوحدة الحضارية مرورًا سريعًا في الوقت الذي يجب أن تحظى فيه بمزيد من اهتمام الباحثين إذ أنها البداية المهمة لتغيير اجتماعي وحضاري ظل يتطور في نفس المنحى العام الذي رسمه الملك عبدالعزيز. ولذلك يجيء الاحتفاء باليوم الوطني تذكارًا لأبناء الوطن بذاتيتهم وتأكيدا لمشاعر الولاء بالانتماء للوطن وحشد الطاقات نحو المزيد من الفعل وتطلع مشروع نحو المزيد من التنمية.. التنمية تلك هي الكلمة المفتاح للغد ولكل حلم كبير ووقفة ينظر فيها الوطن كله وراء ليعرف أي مسافة قطع في حقل النمو والتطور ثم ينظر أمامه ليرى كم بقي من الشوط.