أجمع المؤرخون والباحثون عربًا وغير عرب مسلمون وغير مسلمين على أن الوحدة التي شهدتها بلادنا تكاد تكون غير ممكنة إلا بوجود شخصية الملك عبدالعزيز.. كل عام نحتفل معًا بذكرى اليوم الوطني نتحدث عن بلادنا كيف كانت وكيف صارت وماذا نرجو لها أن تصير في غدها نتحدث عن الرجل الذي كان هو العزيمة الواثبة وراء قيام المملكة العربية السعودية كما يعرفها الناس اليوم عن الملك عبدالعزيز يدور حديث احتفالنا باليوم الوطني. في اليوم الوطني لا تجد الصحافة مجالًا إلا أن تتحدث عن الملك عبدالعزيز فاليوم الوطني يجر بصورة منطقية وطبيعية للحديث عن هذا الرجل الفذ الملك عبدالعزيز يتحدث الناس عن السياسيين وتفيض التراجم في الحديث عن مآثر القادة والعظماء والأفذاذ ولكن يظل الحديث عن الملك عبدالعزيز فريدًا وذا طعم مختلف. في هذا الوقت الذي صارت فيه بعض الصفات الفردية شيئًا من الماضي لا يعرفها الناس ويقرؤون عنها في الكتب يأتي الحديث عن الملك عبدالعزيز منعشًا وباعثًا على التفكير. عبدالعزيز البساطة المأخوذة من الصحراء وحياة الصحراء عبدالعزيز الصدق عبدالعزيز العمل عبدالعزيز المحبة والسلام عبدالعزيز الشجاعة فقد كان الملك عبدالعزيز شجاعًا صفة وصفه بها كل من عرفه. كان هاجس الوحدة يلح على الملك عبدالعزيز فكان ينادي بها كلما وجد فرصة لذلك وهذا طابع السياسي الأريب الذي لا ينظر إلى مصلحته الشخصية، لقد أدرك الملك عبدالعزيز بأنه ليس هنالك حل لمشاكل الجزيرة العربية إلا عن طريق فرض الوحدة، وبناء مجتمع متجانس يقوم على العقيدة الإسلامية تتقارب فيه القيم، والمبادئ والتقاليد فقد كانت الجزيرة العربية شتاتًا متنافرًا، وكانت حركة تأرجح مستمر بين النقيضين أحدهما يعمل للتجزئة والآخر للشتات، ولم يكن في وسع الجزيرة العربية أن تحتفظ بحالة استقرار وتوازن إلا بعد أن تعاونت العوامل التاريخية مع العوامل الجغرافية وانسجمتا معًا ليفسحا المجال لوحدة سياسية في الوقت الذي أخذت فيه ظروف الشتات تزول تدريجيًا مما أسفر عن ظهور معنى جديد للوحدة نجم عنه وعي جديد. ولم يكن التوحيد أمرًا سهلًا بل كان عملًا مضنيًا استغرق ثلاثين عامًا من عام 1902م إلى حين إعلان قيام المملكة العربية السعودية في سبتمبر 1932م وكان الملك عبدالعزيز بالإضافة إلى عبقريته العسكرية المعروفة ذا حس سياسي خارق، إذ إنه لم يتوقف عند مجرد التوحيد بل توجه فورًا إلى تثبيت كيان الدولة تحت قيادة سياسية واحدة بحيث تصير لها وحدة حضارية تواصل بها الرسالة التي قامت بها الجزيرة العربية قديمًا في حياة البشرية. ولذلك جاء كفاح الملك عبدالعزيز المرتكز على وحدة الأرض والمجتمع في أوانه فقد كانت الجزيرة العربية تمر بمرحلة ثقافية متخلفة، وجاءت الوحدة ردًا على هذا الواقع الثقافي والاجتماعي. فلأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية تهيأت الظروف التي تساعد على قيام وحدة سياسية ثابتة كان لها دلالة كبيرة في التاريخ العربي الحديث. وقد أجمع المؤرخون والباحثون عربًا وغير عرب مسلمون وغير مسلمين على أن الوحدة التي شهدتها بلادنا تكاد تكون غير ممكنة إلا بوجود شخصية الملك عبدالعزيز وليس أفضل ونحن نحتفل بهذه المناسبة من أن ندع الباحثين والدارسين الذين كتبوا عن الملك عبدالعزيز يتحدثون: يقول خير الدين الزركلي مؤلف كتاب (شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز) في مع معرض حديثه عن شخصية الملك عبدالعزيز: ليس من المبالغة أن أذكر أن عبدالعزيز كان عجبًا في سرعة الخاطر إذا تحدث، وفي قوة الحجة إذا أراد الإقناع، وسر القوة في حجة عبدالعزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق ولا يقول إلا ما يعتقد. ويقول كنث ويلمز: مواهب الملك عبدالعزيز الخطابية عظيمة فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة، وهو إذا تكلم تدفق كالسيل يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحًا يدل على ذكاء وفطنة ولباقة يخاطب البدوي بلهجة البدوي، والحضري بلهجة الحضري، وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتونًا بحديثه. ويقول موريس جورنو في كتابه (تحقيق حول ابن سعود): إذا كان الملك عبدالعزيز قد نجح في لم شعث الجزيرة العربية تحت لوائه وجعل من بلد مضطرب البلد الأكثر أمنًا في العالم، فمرد ذلك ليس إلا القوة فحسب بل إنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص والتماسك أي التقيد الشديد بأحكام القرآن. ويقول جان بول مانيه إثر وفاة الملك عبدالعزيز يرحمه الله : لقد خلف الملك عبدالعزيز الذي لقبه الإنجليز بنابليون الجزيرة العربية مملكة شاسعة تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا وبلدًا يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول، وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي، لقد استطاع الملك عبدالعزيز في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة. في عام 1345ه كتب د. فون ويزل الذي زار الملك عبدالعزيز يقول: إن الملك عبدالعزيز كريم وصادق، وقد حادثته مرتين في شؤون مختلفة كان بعضها دقيقًا جدًا فلم ألحظ أنه يلبس الباطل ثوب الحق، نعم.. كان سياسيًا أحيانًا في أجوبته، فلا يقول كل ما يعرفه، ولكنه لم يتلفظ بكلمة واحدة غير صادقة والظاهر أن هذا شأنه مع الجميع، فإني لما قابلت القناصل الأجانب في جدة قالوا لي إذا قال لك الملك عبدالعزيز شيئًا فثق أنه يقول لك الحقيقة التي لا تشوبها شائبة. وفي عام 1348ه كتب ناصر الدين دينه الكاتب الفرنسي في كتابه (الحج إلى بيت الله الحرام) واصفًا هيئة الملك عبدالعزيز في بعض خطبه قائلًا: بدأ الملك عبدالعزيز حديثه ولم يغير شيئًا من هيئته الأولى، وابتدأ حديثه بإلقاء طبيعي سهل فالرزانة والرجولة الكاملة والاعتداد بالنفس كلها كانت تتجلى في حديثه فلم يفارق حالته العادية، وهدوءه المعتاد حتى في ذلك الوقت الذي يبحث فيه أخطر المسائل وأهمها، ولم نر منه إشارة سوى ضم سبابتيه عندما يتكلم عن الاتحاد وتفريقهما عندما يتكلم عن التفرقو ورغم هذا كله كنا نحس بأن وراء هذا الهدوء، وهذه البساطة وهذه الرزانة حزمًا وعزمًا وبطولة فذة.