الآراء حول البتكوين في غالبها هي محل اختلاف حاد ومتعاكس، ومؤخرا انخفضت أسعار البتكوين أكثر من ضعف مؤشر نازداك في إغلاق الجمعة 58 % مقابل 26 %منذ بداية العام، وهذا يبعث على التساؤل عن أهمية البتكوين إذا لم تكن مركزا للتحوط أو قابلية أن تكون عملة حقيقية مستقبلًا فما أهميتها؟ قد يكون لها أهمية، لكن تكمن المشكلة في أن المدافعين عن البتكوين يصفونها بصفة من صفات الأصول التقليدية مثل الذهب كأداة تحوط، أو مثل العملات النقدية كوحدة لتبادل الأصول. في رأيي أن هذا الكائن الرقمي من الممكن أن يتشكل كأصل من الأصول الاستثمارية بحكم عامل الندرة الذي يتميز به لكن يجب أن توضع أهمية هذا الكائن الرقمي في إطاره الصحيح. أولًا كأداة للتحوط: الأرقام التاريخية لتذبذب البتكوين تفوق مؤشرات أسواق المال ولا تقارن بالذهب؛ لكن ماذا عن المستقبل لو تضاعف استخدام البتكوين؟ أيضًا الجواب في نظري لا. الذهب له استخدامات ونحو 50 % من تداولات الذهب هي للاستهلاك بخلاف البتكوين، خصوصًا مع قدرات شبكتها المحدودة التي تجعل حجم تبادلاتها محدودا جدًا، كما أن التقدم التقني المتسارع والمستمر في العالم الرقمي سواءً في العملات الرقمية أو المشفرة والتي -بدأت تتبناها المصارف وشركات خدمات الأموال مثل Visa- يجعل فرص البتكوين محدودة لأن يكون لها وزن في استخداماتها. ثانيًا نظامها الرقمي والآلي: لا يعني أن تكون عملة العالم وتحل محل البنوك المركزية التي تتكون من نخبة الاقتصاديين، والتي تتخذ قراراتها بالتصويت وتتسع لمناقشة برلمانات الدول، لأن الظروف والدورات الاقتصادية لا تسير بشكل نظامي وفاعل بنظام إدارة آلية، لذلك لا بد من الحضور البشري حتى لو لاقت هذه القرارات اختلافا وتباينا من المراقبين لأن هذه طبيعة الاختلاف ولكل قرار سلبيات وإيجابيات، لكن بقي أن هذا النظام النقدي العالمي تجاوز الأزمات وتحقيق التنمية. لكن ما الذي يجعل البتكوين أصولا ذات أهمية؟ باعتقادي أن لهذا الكائن الرقمي بحكم ندرته وتوقف تعدينه عند 21 مليون استخدامًا مهمًا له؛ لم نفهمه! وسأسميه -وسبق أني ذكرته في مقال سابق- (الاستثمار البديل للمخاطر المرتفعة) ويعني ذلك أنه وبالرغم من تذبذبها العالي إلا أنها تجد من يطلبها ولأن تكون ادخارًا واستثمارًا مقبولًا لفرد يعيش في دولة تعاني الاضطرابات والتضخم وافتقادها لنظام بنكي أو تدهور عملتها، مثلا لبنان انتشر الحديث عن زيادة شراء البتكوين لأنها بكل تذبذبها تظل أقل مخاطر من العملة الوطنية التي انخفضت عشر مرات، وقس على ذلك الكثير من الدول النامية التي تتشابه بنفس الظروف. لذلك تبقى لهذه الفئة من الأصل طلب ممكن أن يجد في مقابله مستثمرا. لذلك البتكوين كاستثمار بديل عالي المخاطر يتأثر بالمخاطر الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية وحركة الأسواق التي لا تعرف قاع البتكوين ولا قمتها حسب تصوري. وأخيرًا البتكوين ليس ذهبًا يحقق التحوط ولا ورقة يانصيب، ونحن اليوم لا نعلم ماذا يخبئ الغد.