في الوقت الذي لا يزال قطاع النّشر العربي يتعثر بسبب الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالعالم كله، إذ لا تتجاوز أي طبعة مهما كان صاحبها مشهورا الألف وخمس مئة نسخة، تقفز الأرقام في الضفة الأخرى من العالم إلى سقف خيالي لدى البعض، مسجّلة دخولا أدبيا يكبّل ألسنتنا من الدهشة. غيّوم ميسو أو سيد التشويق الفرنسي كما تلقبه النيويورك تايمز حقّق نسبة مبيعات خيالية بروايته الجديدة "أنجليك" بأربع مئة ألف نسخة في أقل من شهرين منذ صدورها. ونعرف جيدا أن ميسو بعد فشل روايته الأولى، سافر إلى نيويورك بنفقاته الخاصة، وتعلّم "المقادير السحرية" لكتابة رواية ناجحة، ومنذ تلك الأيام لم يعرف الفشل أبدا، بل ظلّ يتسلق سلم النجاح بخطى واثقة حتى تقلّد نيشان الفنون والآداب من رتبة فارس. أما الكاتبة البلجيكية أميلي نوتومب (صاحبة القبعات الغريبة) وابنة الدبلوماسي باتريك نوتومب التي جابت العالم معه وتشبّعت بثقافات مختلفة، فقد باعت روايتها "كتاب الأخوات" أكثر من مئتي ألف نسخة منذ صدوره في السابع عشر من شهر آب / أغسطس. وهي الكاتبة التي قد نصفها بالمحظوظة، والتي لم تولد فقط مع ملعقة من ذهب، بل بقدر سعيد أيضا عكس فرجيني يبونت مثلا، صاحبة رواية "أحبّائي الحقراء" التي حققت مبيع مئة وخمسين ألف نسخة، وهذا يضعها في المرتبة الثالثة رغم كراهية كثيرين لها لأسباب يضيق المقام لذكرها الآن، ورغم كونها أحد أعضاء لجنة الغونكور في فترة معينة، إلاّ أن سلوكها "غير الطبيعي" ونصوصها الصّادمة أيضا جعلا منها الكاتبة "المشهورة - المنبوذة" في الوقت نفسه. إنّها بشكل ما "النسخة الفرنسية لبوكوفسكي" البارز في بعض تصرفاتها خاصة أمام الكاميرات دون حرج، فقد تدخّن في بلاتوه تلفزيوني علبة سجائر أثناء التصوير، دون احترام لأي ضيف آخر معها. أمّا الجزائري ياسمينا خضرا (باسمه الحقيقي محمد مولسهول) فقد حقق في ظرف عشرة أيام منذ إطلاق روايته الجديدة "الشرفاء" مبيعات بستين ألف نسخة، بقصّة تعود به مرة أخرى إلى بيئته الجزائرية وأسئلته العالقة خاصّة ما ارتبط بالتاريخ السياسي والعسكري الذي انبثق منه. هذه الأرقام "المذهلة" وأرقام أخرى تبدو للفرنسيين متواضعة أمام أرقام السنوات الخوالي، إذ يكفي أن "الموسم الأدبي" هذا الخريف قد لن يسجّل أكثر من أربع مئة وتسعين رواية جديدة فيما في سنوات مضت كان الرقم يدق بسقف السبع مئة رواية. يجد الكتّاب الفرنكفونيون المغاربة ومن هم من جنسيات مختلفة فرصا لتأسيس عالم يخصهم من القراء الهواة والمحترفين، وكذا بالنسبة للكتّاب باللغة الإنجليزية والمنحدرين من دول ومجتمعات مختلفة، حتى أننا نشعر أن لغة الإبداع لا تكتفي بتوحيدهم فقط، بل تقدّم لهم مكافآت بسبب إبداعهم، وهذا ما نفتقده في عالمنا العربي الفسيح، فأغلب الكتّاب غرباء وفقراء في أوطاننا، وأدبهم تعبير عن معاناة تتكرر منذ مئات السنين.