لقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد مع الرئيس الأوزبكستاني شوكت ميرضيائيف وعقد جلسة مباحثات رسمية، لاستعراض أوجه العلاقات وفرص التعاون والتوقيع على 14 مذكرة تفاهم متنوعة بين البلدين؛ بالاضافة توقيع على 10 اتفاقيات في قطاعات الصحة والطاقة والغذاء والطيران والسياحة، بقيمة تجاوزت 45 مليار ريال على هامش انعقاد مجلس الأعمال السعودي الأوزبكي، فانه يمكن التأكيد أن العلاقة السعودية الأوزبكية تتجه نحو الشراكة الاستراتيجية. وترجع العلاقات بين المملكة وأوزبكستان إلى عام 1991م، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي بادرت إلى الاعتراف باستقلال أوزبكستان، بعد إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، حيث تم في 30 ديسمبر عام 1991م التوقيع على مذكرة التفاهم بين البلدين، وشهد 20 فبراير 1992م توقيع اتفاقية تبادل البعثات الدبلوماسية. وتعد أوزبكستان أيضا عضواً مع المملكة في مجموعة كبيرة من المنظمات الإقليمية والدولية، وهناك تنسيق مستمر بين البلدين في المحافل والمنظمات الدولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، إلى جانب مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وشاركت المملكة بوفد رفيع المستوى في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية المنعقدة أعمالها في عاصمة جمهورية أوزبكستان طشقند العام الماضي. وهناك عدة اعتبارات تجعل أوزبكستان ذات مكانة استراتيجية، فهي قلب آسيا والقريبة من مجموعة من الكتل الجغرافية والتكتلات السياسية. كما أن إطلالة معظم منطقة آسيا الوسطى على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز، إذ تتعدى احتياطاته أكثر من 150 مليار برميل من النفط، وتقدر احتياطاته من الغاز الطبيعي بأكثر من 75 ألف مليار متر مكعب وهذا يعطي أوزبكستان أهمية جيواستراتيجية كبيرة وبالنسبة للغاز الطبيعي، فإن المنطقة تحوي احتياطيا يعد الأول على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 50 % من إجمالي احتياطي الغاز العالمي، وورثت دول آسيا الوسطى ومن بينها أوزبكستان منشآت ضخمة للصناعات العسكرية الثقيلة والخفيفة من الاتحاد السوفيتي السابق بعد تفككه، وكانت أوزبكستان من المراكز الصناعية والزراعية المهمة.. كما تملك أوزبكستان قاعدة ضخمة وكبيرة من العلماء والمتخصصين في كثير من المجالات الحيوية، منها الفيزياء والكيمياء وصناعات الأسلحة بأنواعها. وبسبب هذه الأهمية القصوى كانت هذه الدول محل تنافس بين اللاعبين الدوليين ودول المنطقة؛ فأميركا تسعى لبسط نفوذها، وروسيا تحاول أن تبقيها تدور في فلكها كما كانت في الحقب الماضية، وتسعى الصين أن تدخل بشركاتها العملاقة وكذلك الهند وإيران وغيرها من الدول. وأوزبكستان لها شاطئ على بحر أورال (بحر مغلق) بطول 420 كلم وهي تقع في منتصف قارة آسيا، ويحدها من الشمال والغرب كازاخستان ومن الجنوب أفغانستان وتركمانستان ومن الشرق قرغيزستان وطاجيكستان، وتعد أوزبكستان أكبر دول آسيا الوسطى بعدد السكانو, (نحو 35 مليون نسمة) وهي تضم عدة عرقيات نحو 80 % منها من الأوزبك يتكلمون الأوزبكية، وكذلك عدة لغات أخرى أهمها الروسية، ويدين نحو 88 % من السكان بالإسلام، وحصلت أوزبكستان على استقلالها كما سائر دول آسيا الوسطى عقب انهيار الاتحاد السوفياتي العام 1991، والناتج المحلي الإجمالي وفق التقديرات يقارب 54.81 مليار دولار، وتملك أوزبكستان سادس أكبر احتياطي من الذهب، وهي الثامنة على مستوى العالم من حيث الإنتاج المقدر سنويًا بنحو 85 طنًا. يضاف إلى ذلك الفحم واليورانيوم والفضة والتنجستن والنحاس والرصاص والزنك، ويقدر الاحتياطي المؤكد من النفط في هذا البلد ب594 مليون برميل ينتج منه فقط نحو 150 ألفًا يوميًا، أما الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي فيقدر بنحو 1.875 تريليون قدم مكعب (المرتبة 9 عالميًا)، يصدر منه نحو 12.5 مليارًا سنويًا. وسمح موقع أوزبكستان الاستراتيجي في قلب القارة الأوراسية لها بلعب دور رئيس في النظام العابر للقارات لطرق الحرير الكبرى. ومرت الطرق الرئيسة لطرق الحرير الكبرى التي ساهمت في إنشاء الاتصال بين الشرق والغرب عبر أراضي أوزبكستان الحالية، والتي كانت واحدة من الأماكن التي نشأت وتطورت فيها الحضارات الأولى. وحظي التعاون في جوانب بقوة خلال زيارة الرئيس الأوزبكستاني ومن المتوقع أن توقع شركة أكوا باور اتفاقية البنود الرئيسة مع وزارة الطاقة ووزارة الاستثمار والتجارة الخارجية لدولة أوزبكستان لمشروع طاقة رياح بطاقة إنتاجية قدرها 1500 ميجاوات بقيمة 2.4 مليار دولار. وتعد شركة أكوا باور الشركة السعودية الوحيدة المستثمرة في أوزبكستان، وبلغت قيمة استثماراتها (2.6) مليار دولار، حيث نفذت أو تشارك في تنفيذ 4 مشروعات لتوليد الطاقة بشقيها المتجددة والتقليدية، وتمثل طاقة التوليد من هذه المشروعات 20 % من إجمالي الطاقة الإنتاجية في البلاد والعلاقات بين البلدين قديمة حيث استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- رئيس أوزبكستان إسلام كريموف، في الزيارة الرسمية الأولى للمملكة، التي أرست أساساً للعلاقات الثنائية في العام الثاني لاستقلال أوزبكستان وتحديداً في أبريل 1992م،. وبعد ذلك جرى تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين بما فيها الزيارة التي قام بها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية -رحمه الله- لأوزبكستان، في فبراير 1992م، التي ساعدت على تعزيز التعاون بين البلدين، وجرى خلال الزيارات الرسمية التوقيع على عدد من الوثائق الثنائية. كما افتتحت في شهر مايو 1995م سفارة أوزبكستان في المملكة، وفي المقابل افتتحت سفارة المملكة في أوزبكستان في شهر مارس عام 1997م. ووقعت المملكة وجمهورية أوزبكستان عدة اتفاقيات من أبرزها اتفاقية إطار التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتكنولوجية والثقافية والشباب والرياضة. وفي نوفمبر عام 2008م وقعت المملكة وجمهورية أوزبكستان في الرياض اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، إضافة إلى توقيع اتفاقية النقل الجوي. وشهدت العلاقات السعودية الأوزبكية تطوراً ملحوظاً بعد تولي الرئيس شوكت ميرضيائيف، مقاليد الحكم في 2016، حيث زار المملكة مشاركاً في القمة العربية الإسلامية الأميركية بشهر مايو 2017، وتعد تلك الزيارة إلى المملكة الزيارة الأولى لرئيس أوزبكي منذ زيارة الرئيس السابق إسلام كريموف، في أبريل 1992، ولقائه حينها بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله -. وبناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -عقدت في يناير عام 2021، فعاليات منتدى الاستثمار السعودي الأوزبكي في مدينة بخارى، وجرى فيها التوقيع على عدد من الاتفاقيات أبرزها اتفاقية تعاون لتأسيس مجلس الأعمال السعودي الأوزبكي، لمواصلة وتعزيز العمل المشترك وتمكين القطاع الخاص من الوصول إلى الفرص الاستثمارية في كلا البلدين، ومذكرة تفاهم بين مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومركز الحضارة الإسلامية في أوزبكستان بهدف تعزيز وتطوير التعاون في مجال التعليم والبحوث والدراسات العلمية وعمليات الطباعة والثقافة والمخطوطات. وتتطلع المملكة إلى تعزيز التعاون المستقبلي مع أوزبكستان في مجال توليد الطاقة، ودعمها بمشروعات أحدث وأكثر كفاءة، وتوجد فرص كبيرة للتعاون في تنفيذ مشروعات بقطاع الكهرباء، بما في ذلك مشروعات التوليد (التقليدي، والطاقة المتجددة)، والنقل والتوزيع، والأتمتة وتعزيز الموثوقية، وتحسين تجربة العميل، والربط الكهربائي مع الدول الأخرى، إضافة إلى تبادل الخبرات، والتدريب وبناء القدرات. وتعمل اللجنة السعودية الأوزبكية المشتركة على تحقيق تطلعات قيادتي وشعبي البلدين في تنمية وتطوير العلاقات الثنائية، والدفع بها نحو آفاق أرحب، واستكشاف فرص الاستثمار الثنائي وفقاً لرؤية المملكة 2030، وخصوصاً في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والقطاعات الحيوية، حيث عقدت في مارس 2022م الدورة الخامسة للجنة في مدينة طشقند. وقدّم الجانب الأوزبكي إلى الجانب السعودي، مقترحاته لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين خلال العام 2022، وركزت المقترحات على الجانب الاقتصادي، وزيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليون دولار في العام الحالي، وصولاً إلى 400 مليون دولار في العام 2024. وفي المجال الإغاثي والإنساني؛ قدمت المملكة إلى أوزبكستان -بحسب منصة المساعدات السعودية- مساعدات بقيمة 333 مليونا و547 ألف دولار، منذ العام 2008 حتى العام الماضي، ل 18 مشروعاً في قطاعات البنية التحتية، والمياه والإصحاح البيئي، والزراعة والغابات والأسماك، والنقل والتخزين، والتعليم والصحة، وكان الدعم الأكبر في العام 2018 بمبلغ 93 مليونا و306 آلاف دولار. والمملكة في تموضعها الجديد تضع مصالحها فوق اي اعتبار وهي الان تتجه نحو دول آسيا الوسطى وفتحت حوارا استراتيجيا مع أوزبكستان بهدف تعظيم العلاقات معها كونها من الدول ذات العمق في دول آسيا الوسطى.