نال المحقّق كونان شهرة كبيرة في أوساط الأطفال على المستوى العالمي، وقد قُدّم المسلسل مدبلجاً باللغة العربية الفصحى، وظلّ صوت كونان منسوباً لصبي صغير، إلى أن كانت المفاجأة أن الممثلة السورية آمال سعد الدّين هي صاحبة الصوت الذي عشقه أطفال العرب. وإن كانت آمال موهبة استثنائية كونها تستطيع إضحاكنا وإبكاءنا وفق ما تؤديه من أدوار بكل براعة، فإنّها برعت في نقل روح الطفل عبر شخصية المحقق الصغير فقط بصوتها. طبعاً لم تكن هذه الشخصية الكرتونية الوحيدة التي دبلجتها آمال، فقد قدّمت شخصيات عديدة، وكانت كلها ناجحة. كما قدّمت أمل حويجة الشخصية الشهيرة "كابتن ماجد" و"ماوكلي"، فيما قدمت ميادة درويش شخصية "بوباي"، و"روبن هود". واختيار الأصوات النسائية لأبطال كرتونيين ليس جديداً، فشخصية المحقق كونان نفسها في المسلسل الأصلي الياباني كانت لمؤدية الأصوات مينامي تاكاياما، والتي كانت زوجة كاتب المسلسل نفسه غوشو أوياما. ولأن "التّجارة الصوتية" رائجة في اليابان، فإن أعمال تاكاياما لم تتوقف عند المسلسلات الكرتونية، بل تجاوزتها لألعاب الفيديو التي تشكّل لوحدها سوقاً رائجة جداً. الدور نفسه تؤدّيه جونكو تاكيوتشي في مسلسلات الأنمي، وستشتهر بأدائها لشخصية "ناروتو"، كما اشتهرت ممثلات غيرها بتأدية أصوات شخصيات أخرى كلها لذكور. مثل الممثلة ماساكو نوزاوا في دور "سونغوكو" في مسلسل "دراغون بول زاد". لكن لماذا تلجأ شركات الدوبلاج لممثلات لدبلجة شخصيات معينة؟ في الحقيقة من الصعب إيجاد أطفال لتشغيلهم في هذه المهنة، وإن وجد فلن يكون عددهم كافياً. الاستعانة بصوت المرأة كان الأنسب لتقمّص أصوات الأطفال. وغير ذلك فإن الدبلجة ليست بالعمل السهل، يتدرّب المدبلج يومياً على القراءة بصوت عالٍ على الأقل لمدة نصف ساعة، يتمّ التسجيل لساعات طويلة، ومن النّادر أن يخرج للنور ويشتهر. غير ذلك على المدبلج أن يكون ذا قدرة عالية على تقمُّص الشخصيات على تنوعها ونقل مشاعرها بصوته، وسماتها النفسية العميقة وأهمها "البراءة"، وهي العنصر الرئيس الذي يجذب الطفل لمسلسلات الأنمي، كونها عاكس جيد لعالمه البريء. بالإضافة لذلك ينجذب الطفل لأصوات أطفال مثله، لأنها تنطبق مع براءة عالمه، ويقال إنّ صوت المرأة مطمئن سيكولوجيا للطفل أكثر من صوت الرجل، وهذا ما يجعل الأصوات تُختَار بدقة، فلا تمنح الأصوات الحادّة للشخصيات الخيّرة، بل عادة ما يُختار لها صوت دافئ، وناعم، فيما تحتاج شخصيات أخرى إلى أصوات جهورية، فخمة، أو فيها بحّة، وفي الغالب يستبعد قليلو الفصاحة، ومن لديهم مشكلة في نطق بعض الأحرف. علمياً الأصوات في اتصال مباشر مع الأدمغة لدى كل الكائنات الحية، عبر ما يسمى بالجهاز الحوفي، وهو مركز عواطفنا، ويقال إنّ اختفاء الأصوات أو خفوتها بين الكائنات الحية بما فيها الإنسان، سيؤدي حتماً إلى انقراض الحياة، لكن هذا لن يحدث ما دامت أصواتنا بخير.