أكثر ما يُؤَرق الإنسان في حياته الطبيعية الخروج من منطقة الراحة التي اعتاد عليها، متوسدًا النظام الروتيني الذي ألفته نفسه، ولم يعد يحتاج معه إلى تغيير أي قواعد من حياته، أو إعادة ترتيب وقته وجهده، والخوف من خوض تجارب جديدة قد لا يألفها بسرعة، وهو ما وَمض بريقه مع قرار وزارة التعليم بعودة شهر رمضان المبارك لمقاعد الدراسة هذا العام. لقد انطفأت أنوار المدارس في شهر رمضان منذ عام 1428ه -الموافق 2007م- إذ كان ذلك العام آخر سنة لرمضان في فصول الدراسة، لينعم بعدها بأجواء الإجازة الصيفية على مدى أربعة عشر عامًا، أي ما يقارب تخرج جيل كامل من الدراسة في التعليم العام، وسيرهم في خطى التعليم الجامعي، فلا عجب أن يكون لذلك الخبر وقعٌ على قلوب الطلبة الذين اعتادوا على نظامهم الخاص في رمضان، بعيدًا عن الالتزام المدرسي. أعتقد أن عودة الدراسة في رمضان فرصة لغرس مبادئ الصوم عند الطلبة الذين اعتادوا على النوم في النهار، والسهر حتى الصباح في رمضان، فهي خطوة جميلة لتنظيم الحياة بدلًا من الفوضى التي يعيشها مجموعة كبيرة فيه، وتحقيق للهدف من الصيام بالتعويد على الصبر، والجهاد في طلب العلم، واستشعار معنى العبادة، فالصيام ليس توقفاً عن الأكل والشرب فقط! قد يُرى أن الموظف لم يكن في دوامة هذا النظام، لأنه اعتاد العملَ في شهر رمضان، لكن بوجهة نظري أن العِبْء الأكبر في هذا القرار لم يكن على الطلبة؛ فساعات الدوام المدرسي قصيرة ومتأخرة، واليوم طويل للدراسة والمراجعة وإنجاز كافة الأنشطة الأخرى، وخاصة أن الحياة تظل متوقدة في الخارج حتى الفجر. إنما العبْء الأكبر يعلو أكتاف الأهل، فبعد أن كان رمضان جُهدًا خاصًا بهم لساعات عملهم فقط، أصبحوا يحملون مسؤولية أبنائهم، من جميع جوانبها، كإيصالهم للمدارس، ومتابعة تدريسهم، مما اقتص جزءًا من أوقاتهم كانت متاحة لهم. بعد مرور أسبوع من هذه التجربة الجديدة على صفوف الدراسة، ولأني أعيشها بجميع تفاصيلها، وتحديدًا في مجال التدريس الجامعي، طلبت من طالباتي إطلاق العنان لأقلامهن بكتابة مقالة قصيرة حول تجربة الدراسة في شهر رمضان. تباينت الآراء بين مؤيد للتجربة، ورافض لها، فمنهم من رأتْ أنها تجربة جديدة أعطتها فرصة للتعرف على شهر رمضان بعد التخرج والخوض في سوق العمل، فلا تحمل في قلبها هيبة لذلك، ومنهن من رأتْ أن الدوام في رمضان كسر قواعد أنظمتها وبرامجها الرمضانية التي اعتادتها في كل عام، من أعمال تطوعية وأنشطة تزيد من روحانية الشهر الكريم، فتعب الدوام الدراسي أفقدها القدرة على تنفيذها. وكانت خلاصة تلك الآراء أن رمضان هو شهر التحدي مع الذات، في التوفيق بين الدراسة واستثمار أوقاته الثمينة وأجوائه الروحانية. لنغير زاوية النظر لعودة شهر رمضان لمقاعد الدراسة باعتبارها تجربة جديدة، تهدف لتنظيم حياة الطالب بصورة غير معتادة، وفرصة للتحدي مع الذات في سبيل اغتنام شهر رمضان، والتوفيق بين متطلبات الشهر من روحانية تعانق القلوب، ومُتع تسعد اللحظات، فهي أيام معدودات.