هناك مثل كنا نتداوله في حارتنا، يقول: "طلبة الله بهون" والمعنى أن من يطلب الرزق أو العمل الذي يحقق له المنفعة والراحة، يتعين عليه التريث وعدم الاستعجال، ومثل آخر يقول: "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة" وهذا مثل من الممكن أن نوجهه لفئة من السائقين الذين يقودون سياراتهم وكأنهم في حلبة ملاكمة، ونوجهه أيضا لكثير من الأزواج والزوجات، الذين يفضون الشراكة عند أول هبة ريح، ونوجهه لمن يسعى بكل طاقته لتكوين الثروة فيدخل في مشاريع لا رابط بينها، ويطلب قروضا وتسهيلات لتمويلها أو تنميتها، وفي النهاية تأتي الندامة ومعها الإفلاس وربما الحجر على أعماله وأمواله أو ما بقي منها، ومع كل ذلك الأمراض وانصراف من كانوا يحفون به عندما كان يركض على غير هُدى؛ بحثا عن الثروات. ومثل آخر: "الذي لا يأكل على مهله يزور" وقد رأيت تفسيرا ماديا لهذا المثل، يتمثل فيمن يجلسون على الطعام، فيضربون فيه وكأنهم يتناولون آخر زادهم، دون إحساس بنوعية الطعام الذي يقبلون عليه وأهميته لهم أو لصحتهم، وكثيرا ما سقط أناس من هذه العينة وهم أمام الطعام، الذي يقبلون عليه مع كميات من المياه الغازية والسكريات؛ أما الهدف المعنوي من هذا المثل، فإنه يضرب لمن يأخذ من الشيء فوق طاقته أو قدرته، قس على ذلك من يركض، أو يحمل الأثقال، أو يقدم على المشاريع، أو يعد بالدعم والمساعدة، دون أن يعد لهذه الأمور عدتها! وآخر "أكل التمر حبة، حبة" وهو يرمي إلى نفس الهدف، والأجمل والأحلى ذلك المثل الذي يعكس القناعة والرضا: "لقمة هنية تكفي مية"، وأختم بمثل يمني معبر يقول: "قع نملة تأكل سكرا"، والمعنى من هذا المثل، إذا أردت الغنى والثروة، عليك اتباع أسلوب النملة في الوصول إلى الهدف في الوقت المناسب، وعدم الاستعجال وأنت مقبل على صيدك، أقدم بهدوء وروية، ولا مانع من طلب العون والمساعدة، ففي ذلك فائدة لك ولفريقك، الذي يشاركك الاجتهاد والطموح والهدف، وهذا المثل يردده الإخوة اليمنيون كثيرا، وكأنه تأشيرة من يحصل عليها تفتح أمامه أبواب الجاه والثرة. كل هذه الأمثال التي أوردناها، يؤدي أغلبها إلى هدف واحد، وهو الحث على البطء والتأني وعدم الاستعجال، حتى تتحقق الأهداف، ورغم هذه الفوائد التي تحث على التأني، فإن لهذا التأني أو البطء أضرارا كثيرة، نلاحظها على سبيل المثال لا الحصر، في الموظف الذي يعطل مصالح الناس، بعدم البت في معاملاتهم، وفي قائد السيارة الذي يسير بمركبته سير السلحفاة، على أذنه الجوال وأمامه السيجارة، في طريق هُيئ لسرعة غير التي يسير بها، وفي المقاول الذي لا يلتزم بإنهاء ما تعاقد عليه من مشاريع في الوقت المناسب، وفي الزوجة التي تعطي العناية بنفسها، أكثر مما تعطي العناية لبيتها، وفي رجل البيت الذي يقصر أوقات فراغه على نفسه وأصدقائه، تاركا دفة البيت لزوجة عليها مهام منزلية ملتزمة بها.