تستلزم بعض الأشياء في حياتنا السرية خوفاً من الوقوع في المشاكل، بل وهروباً منها، وعلى رأس ذلك الزواج بأخرى، خاصةً إذا كانت الأولى لا يعيبها شيء من جمال أو خلق أو دين، لكن هناك من حباه الله القوة البدنية والمالية ويرغب في الزواج بثانية، لكنه يعتريه الخوف من فعل ذلك، لعلمه يقيناً بغضب زوجته، فتراه يعيش مشتت الفكر دائم السرحان ويقلب الأمر في رأسه، ويبحث عن حلول لحالته التي يمر بها، وقد يستعين بصديق له ليشركه في معاناته لعله يجد عنده علاجاً لمشكلته، إلاّ أن الحل في النهاية يكمن في الاختيار بين أمرين أحلاهما مُر فالأول أن يقنع نفسه بما لديه تغنيه عمن سواها من النساء، خاصةً اذا كانت تؤدي كامل واجباتها الزوجية تجاهه وتجاه الأولاد، لذا تراه قد وأد هذه الفكرة في مهدها حفاظاً على بيت يحفه الحب والإخلاص، مضحياً بما شرع له، أمّا الاختيار الثاني فهو الإقدام على الزواج سراً، وهو يظن أنه قد أرضى الطرفين، فقد حقق ما يريد لنفسه من الزواج وأرضى زوجته الأولى بأن لا يعكر بالها بذلك، ويبقى في نظرها الزوج المخلص على الدوام!. هذا الهاجس الذي يعيشه جيل اليوم برغبته الأكيدة كان موجوداً في جيل مضى، لكن كان أشد وضوحاً وبعيداً عن الخوف والسرية في أحايين كثيرة جداً، فما الذي جرى بين جيل اليوم والأمس تجاه هذا الموضوع الحساس جداً؟، لذا سنستعرض الفرق بين ذاك الجيل وجيلنا الحاضر من حيث الإقدام على اختيار هذا القرار الصعب، وكيفية التكيف معه سريعاً والسيطرة على زمام الأمور بقوة الشخصية، ساعدهم في ذلك نظرة المجتمع إلى الزواج بأخرى كحق مشروع وأمر بات للكثيرين من المسلمات والحقوق الخاصة. حديث مجالس ------------------ لا تخلوا مجالس المسامرات من التطرق إلى الرغبة في الزواج من أخرى، بل ويحلوا الحديث في ذلك حتى وإن كان عدد من الحاضرين بعيداً كل البُعد عن المغامرة في ذلك، لكنه يمني النفس ويعللها بالآمال لعله يجد طريقاً ميسراً إلى ذلك، وتجد غالب من يمسك زمام الحديث في ذلك من كانت له تجربة سابقة تكللت بالنجاح، مما يجعله يسخر من الجلوس ويتحداهم أن يغامروا ويجربوا، حيث يكيل المدح إلى الزوجة الثانية ويعتبر نفسه من المحظوظين إن وفق إلى خوض غمار هذه التجربة بنجاح، بل ويشحذ همم الجلاّس إلى الإقدام ويعرض خدماته من أجل إتمام هذه المهمة، لذا فلا عجب أن ترى النساء يخفن من صاحب هذه التجربة ولا يروق لهن مجالسة أزواجهن مع هؤلاء المعددين؛ كي لا تنتقل العدوى إلى أزواجهن ويجعلون الفكرة تتخمر إلى عقولهم، فيخوضوا غمارها، ومن النساء من تصرح لزوجها بعدم رغبتها بجلوسه مع هذا الشخص المعدد، بل تلوح بكرهها له وكره مجالسته له، بينما تخشى النساء أيضاً من الشخص الغامض الذي لا يتحدث في قضية التعدد ولا يصرح بفكرته في تأييدها من الإعراض عنها، ويطلقن عبارة "خف من الساكت"، أمّا الذي يثرثر ويدعي برغبته في التعدد لا يتعدى الأمر سوى حديث التمني والترويح عن النفس دون الإقدام بالفعل. جيل صارم ------------- كان الرجل فيما مضى إذا أراد الزواج بأخرى لا يمنعه من ذلك شيء، فغالبية الرجال مثله يتزوجون بثانية ويعددون في منتهى الحرية دون عمل حساب لأي أحد كان من زوجة وأهل، فهو لم يأت بشيء جديد، فالمجتمع متقبل لتلك الفكرة ومؤيد لها، وكان العائق في ذلك هو القدرة بشقيها الجسدية والمادية، فمتى ما توفرت هاتان الصفتان لدى من يرغب التعدد كان الأمر سهلاً عليه، ومن المفارقات العجيبة أن الزواج من أخرى لم يكن يقلق بال من يقدم على ذلك، وخير دليل هو جمع هاتين المرأتين في عش الزوجية وتحت سقف واحد، بحيث تكون أسرة واحدة يسيطر على زمامها الرجل بشخصيته القوية، وإن لم تخل تلك البيوت من المشاكل بسبب الغيرة الفطرية بين النساء ومشاكل أبناء "الضرّات"، لكن رجل البيت في النهاية سيد الموقف الذي يجد لكل مشكلة حلاً، ويستطيع التكيف مع هذه الغيرة بالخبرة والتجربة ومجالسة المعددين الذين يجد لديهم حلاً لكل مشكلة تواجهه وتهدد عش الزوجية، لكن في النهاية ومع تقدم الزمن تتلاشى هذه المشاكل، ويتعوّد الجميع على الجو العام في المنزل، بل على العكس من ذلك فقد ضربت العديد من النساء المثل في إسعاد الزوج وإن كان معدداً وذلك باتفاق الزوجات على نيل رضاه والسعي لإسعاده. غيرة فطرية ------------- لا يوجد امرأة ترضى أن يشاركها أحد من النساء في قلب زوجها كائنة من كانت، وإن تصنعت ذلك وأقرت به، فالغيرة أمر فطري لدى المرأة، ومن شدة غيرة النساء من الضرة -الزوجة الثانية- ضرب بها المثل الذي يقول: "تشارك المرأة في عقلها، ولا تشارك في زوجها"، أي إن المرأة تود لو أنها تشارك في عقلها بلوثة كالجنون ولا تشارك في زوجها من أخرى، كما أن بعض النساء قد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ تتمنى أن يموت زوجها وتترمل على أن يتزوج عليها، فالمرأة شديدة العاطفة وتتعلق بالزوج وتخلص له، لذا لا تُحب أن يقابل حبها وإخلاصها بالزواج من أخرى تشاركها هذا الزوج وتشاطرها مهما كانت الظروف والأسباب، خاصةً إذا تقدم بها السن وعاشت معه سنين طويلة. قرار صعب ----------- من القرارات الصعبة التي يواجهها الرجال هي قرار اتخاذ زوجة ثانية على شريكة العمر، خاصةً اذا كانت أم أولاده وكانت تؤدي واجباته على أكمل وجه، لذا ترى الرجل يقدم رِجلاً ويؤخر أخرى متردداً في ذلك، وفي الغالب يجد من يشجعه ويدفعه من زمرة المعددين الذين يفرشون له هذا الطريق وروداً، إلاّ أن الكثيرين يواجه في هذا الطريق شوكاً يدمي الفؤاد قبل القدم، ويندم ولات حين مندم، فإذا وقع الفأس في الرأس تلظى بجحيم الغيرة وصار يعيش بين نارها في منزل الزوجية، في وقت لا يستطيع فيه الخروج من هذا المأزق الذي أوقع نفسه فيه، ويدفع ثمن اندفاعه وتصديقه للمعددين من حوله الذين يوقعونه في هذا المأزق الذي يكون ثمن الخلاص منه تقديم تضحيات كبيرة قد تصل إلى الطلاق لإحداهن، أو الهجر، فيبقى في حياة بائسة قد يحسده عليها من الرجال لا يعلم خفاياها. فرق شاسع --------------- كان الزواج من أخرى في زمن الأجداد أقل رهبة ومشاكل، وذلك بسبب بساطة أسلوب الحياة التي كانوا يعيشونها، حيث كان أمر الزواج من امرأة أخرى أشد سهولة من الآن، وذلك لعدة أسباب، من أهمها بساطة العيش وقلة التكاليف، فالمتتبع لتجهيزات الزواج فيما مضى يجد البساطة في أسمى صورها، فالمهر يسير والتجهيزات بسيطة جداً لا تتعدى قطعا من الكسوة وحلي قد تكون من الفضة لا تثقل كاهل العريس، أمّا ليلة الدخلة فيكفي ذبح شاة وحضور عدد قليل من أقرباء العروسين في جو عائلي إن لم يكن العريس أو اثنين أو ثلاثة من أقاربه وذلك للإشهار فقط، وبعد ذلك لا يذهب ليكتري منزلاً بالأجرة ليؤوي زوجته الجديدة، بل يتجه بها فوراً إلى عش الزوجية، وهو بيت الزوجة السابقة التي تكون قد علمت بأمر الزواج، بل قد تكون مكرهة قد باركته، ويمضي العريس زواجه بدون شهر عسل أو أية مصاريف أخرى، ومن الأسباب أيضاً هو تقبل المجتمع لفكرة التعدد وشيوعه بين الناس، مما يجعل الخاطب يقدم وهو شبه واثق من الموافقة على طلبه، حيث كانت النساء لا تمانع فكرة أن تكون الزوجة الثانية -الضرة-، حيث إن أغلب من حولها من صويحباتها يحملن هذه الصفة، ومن النساء من تتقبل فكرة التعدد ولا تمانع منها، خاصةً في بعض مناطق المملكة وتجدها تؤدي هي بنفسها باختيار الزوجة الثانية لزوجها وتكفيه العناء، وتضمن بذلك أن تكون ضرتها على مزاجها، وقد تؤدي هي بنفسها بالخطبة حتى تتم الموافقة والزواج. الكذب قصير -------------- أغلب الأزواج لا تكون لديه الشجاعة الكافية لأن يصارح زوجته برغبته في الزواج من أخرى، خاصةً في أيامنا هذه، بل تراه يفضل أن يتزوج سراً درءاً للمشاكل، فيفتعل المشاغل ويتجه نحو الكذب على زوجته من أجل أن يجد الوقت الكافي للجلوس مع زوجته الجديدة، ويلجأ إلى حيلة السفر والغياب بحجة العمل وضرورياته، مما يجعله يخصص أياماً للخلوة مع نفسه وزوجته الجديدة، وقد تستمر هذه الأساليب سنين عديدة ولكن في النهاية يكتشف أمره، والكذب كما يقولون: "حبله قصير"، وإن استمر وطال أمره فلابد في النهاية أن ينكشف بأسباب تافهة. وكم حملت لنا القصص مواقف طريفة قد كشفت أمر زواج رجل من امرأة أخرى، ومنها أن رجلاً قد حبك كذبة لا يمكن أن تنكشف وذلك بزواجه سراً من امرأة، حيث استأجر البيت الذي يجاوره وأسكنها فيه، ومن ثم فتح في ملحق بيته باباً سرياً على المجاور له، ووضع خلفه دولاب كتب يغطي الباب، فإذا دخل إلى ملحق البيت ليقابل عروسه الجديدة قال لزوجته التي عودها على ذلك هي وأولادها بأنه لديه شغل مهم لا يستطيع أن ينجزه إلاّ إذا كان خال الفكر، مما يضطره إلى الخلوة وإغلاق باب الملحق، فإذا ما أغلقه فتح الباب والولوج إلى بيته الثاني وبقي مع زوجته الثانية وإذا أراد العودة ولج إلى الملحق وأغلق الباب وسترة بدولاب الكتب، وهكذا بقي سنين على هذه الحال، وقد كان لا يسمح لأحد من أهل بيت زوجته الأولى بأن يدخل إلى الملحق ولو لدواعي الترتيب والتنظيف، بحجة أن أوراقه مبعثرة ومستنداته ولا يرغب أن يضيع منها شيء أو يختلط، وفي يوم انكشف المستور من حيث لا يتوقع فقد أصيب بوعكة صحية استدعت تنويمه في المستشفى أياماً عديدة وصارت زوجته وأولاده يترددون عليه بالزيارة، وفي يوم من الأيام كانت زوجته الأولى في منزلها فلاحت لها فكرة تنظيف منزلها ولاحت لها فكرة تنظيف الملحق أيضاً، فزوجها غائب في المستشفى ولن يدري فبحثت على الفور بين مفاتيحه التي تركها في المنزل عن مفتاح الملحق الذي طالما تمنت أن تدخله، واستعانت ببعض بنيها في التنظيف ولما دخلته لم تجد فيه أي أوراق أو ما يوحي بأنه ينجز أي عمل، ولما حركت دولاب الكتب شاهدت باباً يطل على بيت الجيران، فاستغربت وبحثت بين المفاتيح ففتحته ووجدته يفضي إلى بيت الجيران فأصابتها ريبة، فأغلقته وطلبت من ابنها الأكبر أن يبحث عن معلومات تدلها على من يكون صاحب المنزل، وبعد بحث حثيث توصل إلى الحقيقة وذلك بأن المستأجر هو والده، وأن من يسكنه زوجته الثانية فكاد أن يُغمى عليها من هول المفاجأة، أمّا زوجها فإنه بعد أن عاد إلى منزله بعد زوال العارض الصحي اكتشف حقيقة الأمر وعاش بقيه حياته في نكد من جراء كذبته وزواجه سراً على زوجته. وفي قصة أخرى، انكشف زوج ارتبط بأخرى على زوجته سراً لسنين عديدة في موقف أحرج الزوج، حيث إن ابن المرأة الأولى تعرض لحادث سير مع شاب آخر، ولما حضر المرور للبت في الحادث اكتشف أن الشابين أخوان من حيث لا يعلمان، حيث إن اسم الأب واحد، وبعد أن طلب المرور حضور ولي أمر الحدثين تفاجأ بأن الأب الذي حضر هو أبوهما وبذلك انكشف فعله. حيل جديدة -------------- ومع تقدم الزمن واستخراج الأوراق الثبوتية صار من الصعب على المرء أن يتزوج بأخرى دون أن يضيفها في سجل دفتر العائلة، وبات أمر الزواج سراً بأخرى مكشوفاً، حيث يستلزم الأمر حاجة الزوجة الأولى أو أحد أبنائها الحصول على نسخة من دفتر العائلة لمراجعة المستشفيات أو التسجيل في المدارس، مما يجعل الأمر مكشوفاً، وإن تزوج أحد بأخرى فإن الموضوع سيكون سراً لعدة شهور أو بضع سنين فقط، ومن ثم ينكشف أمره، لذا فقد حدت التقنية الحديثة من الزواج بأخرى، كما أن وسائل الاتصال صارت متاحة ولابد للزوج من مهاتفة زوجته الثانية على الدوام، وقد يقع الجوال في يد الزوجة الأولى وتجد اسم الزوجة الثانية، أو قد ترد على متصل فتجده الزوجة الثانية، فينكشف أمره على الرغم من لجوء الأزواج إلى عدة حيل منها على سبيل المثال إعطاء اسم الزوجة وصفاً للتمويه مثل أن يكتب العمل أو يغيره باسم رجل. وقد تعددت النكت في هذا المجال التي قد تكون تعكس الحال والواقع، كالزوج الذي اختار اسماً للزوجة الثانية ب"البطارية منخفضة"، فإذا سمعت الزوجة الأولى نغمة جوال زوجها في غيابه وأرادت أن ترد نظرت إلى اسم المتصل فتجد هذه العبارة فتظن أن بطارية الجوال فعلاً منخفضة والنغمة هي للتنبيه، فتوصل المسكينة الجوال بشاحن الكهرباء، وهي لا تدري أنه متزوج من أخرى وهو يخدعها. وفي تندر آخر، اتصلت زوجة على جوال زوجها لترى أي اسم رومانسي أطلقه عليها لتتفاجأ بأن طلع اسمها "نكد 2"، وزاد غضبها ليس من المسمى الذي أطلقه عليها، بل من هول صدمتها من زواجه بغيرها سراً، مما جعلها تتساءل من هي "نكد1"، لتبدأ التحقيقات في هذا الشأن مع هذا الزوج الذي كشف أمره بالصدفة. رفض الفكرة -------------- ومن الرجال من يرفض فكرة التعدد لا خوفاً من زوجته ولا لقلة ذات يده أو من قدرته الجسدية، بل من أجل الخوف من الجور وعدم العدل بينهما، ويؤثر السلامة باكتفائه بزوجة واحدة إذا رأى فيها بعض ما يسره، وبهذا يسلم من العيش في خلاف دائم بين الضرتين يدفع ثمنه من وقته وراحته وصحته، وكأنه يؤثر السلامة خوفاً مما أصاب ذلك الأعرابي قديماً كما روت كتب الأدب، الذي قيل له من لم يتزوج امرأتين لم يذق لذة العيش والسعادة، فتزوج من امرأتين علّه يحظى بالرعاية المزدوجة فكان نصيبه النكد والتعاسة المزدوجة والندم، وقد عبّر عن معاناته تلك بهذه الأبيات: تزوجت اثنتين لفرط جهلي وقد حاز البلاء زوج اثنتين فقلت أعيش بينهما خروفاً ينعم بين أكرم نعجتين فجاء الحال عكس الحال دوماً عذاباً دائماً في الليلتين رضا هذي يحرك سخط هذي فلا أخلو من إحدى السخطتين إذا ما شئت أن تحيا سعيداً من الخيرات مملوء اليدين فعش عزباً فإن لم تستطعه فواحدة تكفيك شر الضرتين