* يوماً بعد آخر تزداد في فضائنا الإداري تعقيدات المكاتب والإدارات الإجرائية في إنهاء مسألة أو أخرى، وتحوّلت بفعل هكذا وضع معاملات الناس وشؤون الوطن ومشاريعه إلى سلاحف عديمة الحركة، قليلة الفعل، فأصابت كثيرين بروح اليأس من إمكانية الإصلاح ناهيك عن التطور. * ران مع الأيام على المسؤولية الإدارية عقلية الجمود والتكلس من خلال خلق شبكة بيروقراطية معقدة بما يتفوق على الإنترنت في عنكبوتية خيوطه ودهاليزه، وإن كان الإنترنت أسرع وسائل الاتصال وتوفير المعلومة.. وهذه العقلية الاستاتيكية تحرفنت إلى أقصى مدى، وإلى ما بعد الخيال الإنساني في تراكم المعاملات وتأخير إجراءاتها الإنهائية وكأنها تعشق روائح الحبر وغبار الأوراق الذي يديمها حية ومنعشة. * وعامل الزمن في هكذا عقلية يأتي في آخر اهتماماتها، هذا ان كان هناك اهتمام أصلاً، فالقيمة ليست في سرعة الانجاز وعدم تعطيل مصالح العامة، بل في المثل البلدي القديم القائل «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة»، و»المستعجل مخطئ ولو ملك والبطئ مصيب ولو هلك». بينما عوالم أخرى تشهد تسابقًا ضوئيًا نحو التطور وتحسين الأداء وتجويد المنتج. * ولو بحثنا جيدًا في هيمنة البيروقراطية وترسخها عند عاشقيها لما وجدنا مبررًا لذلك سوى انعدام روح المبادرة للتطوير والتغيير، إضافة إلى ضعف الشخصية لدى مسؤولي هذه الإدارة أو تلك، أو ممّن يتولون مسؤوليات إدارية في أجهزة حكومية وأهلية. فهؤلاء وخوفًا من انكشافهم أمام الآخرين يحرصون على ترسيخ البيروقراطية بتعقيد إجراءات الإنهاء، وإقامة العوائق أمام التنفيذ، ويهيمون حتى الموت بالمركزية وإن خربت الدنيا وتعطلت المصالح، وزاد الفساد. * والمؤسف ان هكذا عقلية انتقلت إلى دوائر من المفترض أن تكون نموذجاً لسرعة العمل وجودة الإنتاج، ولمركزية القرار من مثل الجامعات والأكاديميات العليا، فالمعروف أن هذه المؤسسات هي مخازن الفكر للمجتمع، وهي الممول المؤثر لاحتياجات المجتمع الإدارية، غير أن ما يلاحظ هنا في فضائنا المجتمعي السعودي هو العكس! فرغم توفر الإمكانيات المالية الهائلة، والميزانيات الضخمة، والعقول البشرية المؤهلة والنادرة، والتقنية العالية إلاَّ أن واقع سير المعاملات داخل أروقة الجامعات يسير بأبطأ ممّا هو خارج أسوارها. وهذا ينطبق على كل المعاملات سواء الأكاديمية الخاصة بتطوير التعليم الجامعي، أو المالية، أو الإدارية، أو الخطط المستقبلية. * فكيف يمكن للجامعة أن تكون قائدة للتطوير، ومساهمة في التغيير إن كانت أهم معاملاتها الداخلية تسير ببطء قروناً زمنية ماضية؟ وكيف يمكن للجامعة أن تقنع المجتمع بالثقة في مخرجاتها من خريجين أو أفكار ونظريات معرفية وهي تغرق حتى أذنيها في بيروقراطية قاتلة لمجرد تفسير إداري من هذا الموظف أو ذاك المسؤول. * نحن حقيقة في مسيس الحاجة إلى إحداث تغييرات جذرية في العقلية الإدارية المسؤولة، وهذا لن يكون أبدًا إلاّ بوضع الأكفاء والأشخاص القادرين المناسبين في أماكن تتناسب وقدراتهم ومؤهلاتهم حتى وإن لم يعجبونا لأسباب شخصية. فاكس: 6718388 – جدة[email protected]