هل ألون ماسك أسطورة ومُنجز المستحيلات كما تقدمه وسائل الإعلام اليوم؟ أم مجرد ملياردير ستتجاوزه الأيام؟ فالأثرياء كما يعرف الكثير منّا لم يُخلّد التاريخ منهم إلا بعض الأسماء الاستثنائية فمن هم؟ أتذكّر ماسك منذ العام 2009 عندما تحوّل إلى مدير تنفيذي لشركة تسلا حينما زاد من استثماراته فيها وأُدرجت بعد ذلك في أسواق المال، وبعد ذلك بفترة وجيزة وتزامنًا مع وصول أسعار البترول حينها إلى 145 دولارا، وتزايد الاهتمام بالطاقة البديلة وإدراك جدواها، وازدياد أثر المعايير البيئية في وضع السياسات المحفّزة لشراء السيارة الكهربائية التي جعلت متوسط التقديرات لإعداد السيارة الكهربائية يتضاعف عاما بعد عام. كما أتذكر أنني كتبت مقالًا بعنوان: (تسلا في حوار ولي العهد) عام 2018، متفائلًا بمستقبل الشركة في وقت أهم مراكز الأبحاث لم تكن متفائلة وتوصي ببيع أسهم الشركة. وبرغم كل ذلك، يظلّ (ماسك) - في نظري - ثريا سوف تنساه الأيام، وأقصى مكانة له في ذاكرة المستقبل هي مكانة مثل (فورد) اليوم الذي طرح شركته قبل ماسك بحوالي 53 عاما، وبرغم كل الصخب الذي يفتعله ماسك عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذي يبدو واضحًا لي أنه مُتأثرٌ لحدٍ كبير بأسلوب (ترمب)، بل أصبح يُقلده بالظهور في الأفلام والمسلسلات، فشخصية وتفاعل ماسك تغيّرا بعد العام 2016 الذي وصل فيه ترمب للبيت الأبيض، إلا أننا لا نستطيع الإنكار بأن ماسك "شاطر" في فهم المزاج العام بشكل سريع، حيث أصبح الكثير يرى أن (تسلا) هي الطريق للنجاة من التلوث البيئي، بإلاضافة إلى أنه اشتهر في الأصل كرائد أعمال في تأسيس PayPal في فورة الإنترنت عام 1999 مع شريك أظنه أكثر عمقًا منه هو بيتر ثيل صاحب أهم كتاب قرأته في ريادة الأعمال (from zero to one)، التي صنعت له ثروة مبكرة يتعلّم منها الصبر وتحمّل المخاطر ومعالجة التحديات التي واجهته، كما تمكّنه من مستقبل واضح الهدف وهو: صناعة سيارة كهربائية تُعادل السيارة التقليدية في القوة والتكلفة. لكن من يُخلده التاريخ لا يكفي أن يكون مجرد أغنى رجل في العالم، بل عليه أن يصنع إحدى عجائب الدنيا، ففي العام 2004 أُصيب ستيف جوبز بسرطان البنكرياس الذي لا علاج له حينما كان في قمة مجده وثرائه بعد سنوات من عودته الثانية لشركة أبل التي انتصر فيها لنفسه، كان يمكن أن يمضي ما تبقى من أيامه بعيدا لكنه آثر الخلود في التاريخ حيث قاد شركة أبل لتغيّر سريع في استراتيجيتها وهو التوجه لسوق الأجهزة المحمولة وواجه جوبز بذلك عدة تحديات على عدة صُعد. التحدي الأول: أن الشركة لم تكن تحمل تصورًا متماسكًا للدخول في عالم الأجهزة المحمولة، وكانت أولى المحاولات هي بالتحالف مع شركة موتورولا التي كان هاتفها يحمل برنامج iTunes الذي تنتجه شركة أبل، وسرعان ما فشل هذا التحالف عام 2005. التحدي الثاني: تمثل في أن الحليف الاستراتيجي لشركة أبل ومزودها بالرقائق الإلكترونية شركة إنتل تعذّرت عن تزويد (أبل) بالرقائق الإلكترونية لعدم القناعة بنجاح iPhone، علمًا أن الرقائق الإلكترونية هي المدخل الصناعي الأساسي لأي مُنتج إلكتروني، فتغيير المورّد للرقائق الإلكترونية ليس بالقرار السهل وله تبعات كثيرة. أما التحدي الثالث: (وهو الأصعب) فتمثل في أن الشركة لم تكن تعرف أصلًا شكل وآلية الجهاز الذكي الذي سوف يُوجَّه بمجرد اللمس على شاشته، لذلك كان أول تصميم لجهاز nano iPod المستخدم لحفظ المحتوى الموسيقي والمسموع مصمم بقرص ملموس دائري يشبه قرص الهواتف القديمة فتطورت معه صورة الشاشة الملموسة عند ظهور أول iPhone عام 2007 والذي نجح بالرغم من أنه كان محدود التطبيقات والذاكرة، كان ستيف جوبز يعتقد بأنه ليس صحيحًا أن تنفذ ما يطلبه جمهور العملاء فهم لا يعرفون ماذا من الممكن أن تصنع لهم، لكن من المهم أن تفهمهم وتفهم احتياجاتهم. لم يكن العالم ينتظر iPhone الذي صدم الأسواق ولكنه كان ثورةً في عالم الأجهزة الذكية، حيث أدخل جوبز الإنترنت تقريبًا في جيب كل إنسان، وعلى ذلك تغيرت صناعة الهواتف حول العالم لتتشكل معها مفاهيم اقتصادية جديدة مثل الاقتصاد التشاركي وظهور نماذج أعمال جديدة ومبتكرة مثل أوبر Uber وAirbnb وغيرها الكثير. كما أصبحت شاشات أبل الملموسة هي النموذج الأساس لكل الشاشات الذكية بما فيها شاشة التحكم داخل سيارة تسلا. رواد الأعمال الكبار ليسوا عباقرة ولا مجانين، لكنهم ساهموا بإبداعاتهم في طفرات صناعية غيّرت فيهم مفهوم أشياء كثيرة، فالعمل لديهم ليس فقط أن تنتج بل أن تنجز! كما أن المخاطر لا يعني أن تتجنبها بل تختار العمل ذا العائد الذي تستطيع من خلاله التكيف معها والسيطرة عليها. وعلى قمة هؤلاء - في رأيي - هو ستيف جوبز الذي ابتكر آخر ثورة - وقد تكون أهم الثورات - في التطور الإنساني اليوم، التي بدأت باكتشاف النار منذ آلاف السنين مرورًا بالثورة الزراعية ثم الصناعية وظهور الكهرباء وبعدها الإنترنت وأخيرًا وليس آخرًا الجهاز الذكي والتكامل مع العالم الرقمي.