"نحن خائفون، لا يمكننا معرفة أين أخفيت الألغام؟". هذا ما يؤكده عاملون في الجهود الإنسانية في شمال غرب جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث زرع المتمردون على الطرق العديد من العبوات الناسفة التي تودي بمدنيين وتعرقل عملهم في منطقة تشهد معارك باستمرار بين جيش البلاد ومجموعات مسلحة. على الطريق الرئيس في مدينة باوا الواقعة على بعد 500 كيلومتر شمال غرب العاصمة بانغي، ينتظر نحو عشرة من سائقي الدراجات النارية للأجرة مع زبائنهم أمام مدخل السوق، وتبدو على وجوههم علامات القلق. فقبل بضعة أسابيع قتل سائق في انفجار عبوة ناسفة عند مرور دراجته. وقال لاغوس ياندجا ممثل العاملين في دراجات الأجرة في باوا بقلق وغضب "منذ بداية العام، هذا سادس شخص منا يحدث له ذلك". وأضاف أن "مهمتنا أصبحت خطيرة". من جهته، أكد أوغستان ندوشا أن دوي الانفجار ما زال في رأسه. وكان هذا العامل الإنساني من المجلس الدنماركي للاجئين يسافر على المحور الذي يربط بين لورا وبوكارانغوا، في مقاطعة أوهام بندي. وقال: إن السيارة كانت تسير على طريق وعرة بسبب موسم الأمطار، ومن المستحيل رؤية أي عبوة ناسفة. وأضاف "كنت نائماً في السيارة عندما سمعت دويا هائلا ثم صرخة امرأة"، مشيرا إلى أن "زميلتي كانت ملطخة بدماء السائق الذي قتل على الفور". ونجا ندوشا من الحادث. وتقول بعثة الأممالمتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا): إن ثمانية أشخاص بينهم امرأتان وطفل يبلغ من العمر خمس سنوات، قتلوا في انفجار ألغام في المنطقة الشمالية الغربية وحدها. تهديدات منذ أشهر، تلجأ المجموعات المسلحة التي تنشط في جمهورية إفريقيا الوسطى وطردت من المدن الكبيرة، إلى تقنيات حرب العصابات وتزرع عبوات ناسفة على طول الطرق الرئيسية لتأخير تقدم القوات الموالية للحكومة. وفي نهاية ديسمبر 2020، شنت المجموعات الكبرى منها التي تسيطر فعليا على ثلثي البلاد، هجوما قبل أيام من الانتخابات الرئاسية للإطاحة بالرئيس فوستين أركانج تواديرا الذي خاض الاقتراع لولاية ثانية. وبعد تراجع كبير في حدتها خلال السنوات الماضية، تصاعدت الحرب الأهلية التي بدأت في 2013 في ثاني أقل بلدان العالم نمواً، حسب الأممالمتحدة. ووصل المتمردون مطلع يناير الماضي إلى مشارف العاصمة. لكن منذ ذلك الحين تم صدهم بفضل دعم القوات شبه العسكرية الروسية. وتؤكد السلطات أنها استعادت 90 % من من الأراضي في شمال غرب البلاد لكن القوات الموالية لها تواجه مقاومة أكبر. وزرع متمردو واحدة من أقوى المجموعات المسلحة "عودة مطالبة إعادة تأهيل" (3آر) عبوات ناسفة في محاور استراتيجية عدة. وقال خبير في المنطقة طلب عدم ذكر اسمه إن هؤلاء المتمردين "فاجأوا الجميع". وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في أبريل من "تهديدات جديدة مرتبطة بالمتفجرات تظهر في جمهورية إفريقيا الوسطى". نزع الألغام على محور خارج باوا، تسير قافلة بعثة الأممالمتحدة بحذر بينما يلتزم جنود حفظ السلام في وحدة الكاميرون الصمت داخل الآلية المدرعة. ويفترض ألا يكون المحور ملغّما لكن الرجال في حالة تأهب. وقال نوام أسولين المتحدث باسم بعثة الأممالمتحدة في باوا إن "وجود عبوات ناسفة يحد من عدد الدوريات ويعيق مهمة حماية المدنيين". وعلى طول الطريق، تدقق امرأة تحمل حزمة من الأعشاب على رأسها، في المكان الذي تضع فيه قدميها. وقالت مهوا كوليبالي رئيسة بعثة برنامج الأغذية العالمي في باوا "عندما لم يكن هناك سوى معارك انتهزنا فترات الهدوء لنتمكن من العبور لكن الألغام منعت الوصول" إلى المنطقة التي يعاني 61 % من سكانها من الجوع. لذلك نظم برنامج الأغذية العالمي عمليات لإيصال المواد الغذائية جوا "لكن هذا يبقى استثنائيا"، حسب كوليبالي. ونفذت الأممالمتحدة عمليتين لإزالة الألغام في المنطقة لكنهما انتهتا "بسبب نقص الخبراء"، كما يقول الميجور جاويد خرام أحد أعضاء البعثة الباكستانية للهندسة في قوة الأممالمتحدة. لكنه أكد أن هذه العمليات ستستأنف "قريبا". ويقول مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوشا): إن 3,1 ملايين شخص سيحتاجون إلى المساعدة في 2022 في جمهورية إفريقيا الوسطى من أصل خمسة ملايين نسمة في البلاد.