في بعض الأوقات يرغب بعض الناس الذهاب إلى البر ترويحاً عن النفس، ونذكر بعض الأحكام والآداب في ذلك: أولاً: أهمية إقامة الصلاة في وقتها والأفضل في أول وقتها، وعدم تأخيرها، قال الله تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا». ثانياً: فضل وأهمية رفع الأذان عند دخول وقت الصلاة مع رفع الصوت، حتى ولو كان لوحده، ومن ثمرات ذلك: أنَّه سبب لمغفرة الذنوب وسبب لدخول الجنة. ومن ثمرات ذلك أيضاً: أن يشهد له يوم القيامة كل من سمعه وهو يؤذن من جنٍّ وإنسٍ ورطبٍ ويابسٍ وكل شيء، ويغفر له مدَّ صوته، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه لرجل: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ: "لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (584) ثالثاً: أهمية دعاء المنزل، ليحفظه الله بحفظه، ولا يضره شيء حتى يرتحل من منزله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ". رواه مسلم (2708) فحافظوا على هذا الدعاء ولقنوه أبناءكم. رابعاً: عندم النزول ليلاً للنوم في الطريق؛ لأنَّه مأوى الدواب والهوام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ". خامساً: عند إشعال النار؛ لطهي الطعام أو للتدفئة، فليطفئها قبل النوم وقبل الانصراف من المكان، ولا يتهاون في عدم إطفائها، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ترك النار في البيوت عند النوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ". سادساً: في حال شدة البرد عند مبيته في البر، ولا يستطيع تسخين الماء والوقاية من البرد قبل خروج الوقت، وخشي على نفسه أن يتضرر بالوضوء أو بالغسل الواجب، فله أن يتيمم للحدث الأصغر والأكبر، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَاحْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» [النساء: 29] فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. رواه الإمام أحمد في مسنده (17812) وأبو داود (334) بسند صحيح. سابعاً: عدم السير وحده ليلاً إذا كانت المسافة مسافة سفر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ". رواه البخاري. ثامناً: أهمية اختيار المكان المناسب عند الخلاء، مكان ساتر لا يكون طريقاً ولا ظلاً لشجرة، ولا يستنجي بروثٍ أو عظمٍ ولا يستنجي باليمين، ولا يستقبل القبلة ببولٍ أو غائطٍ؛ عن رويفع بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: قال ليَ النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ". رواه الإمام أحمد في مسنده (16996) وأبو داود (36) بسند صحيح. تاسعاً: أهمية التأمل والتفكر، يتأمل في الجبال وألوانها: بيض وحمر وصفر وغرابيب سود، وما فيها من كهوف، ويتأمل في السهل والشعب والوادي وأنواع التربة طينية ورملية وسبخة تمسك الماء ولا تنبت شجراً، ويتفكر في الشجر والنبات والكائنات وما اختص الله به بعضها على بعض، وينظر إلى عظمة الخالق كيف نصب الجبال الرواسي وسطح الأرض ورفع السماء وزينها بالنجوم وجعلها رجوماً للشياطين وعلامات تدل على الجهات. عاشراً: الإحسان إلى البهائم من طيرٍ وحيوان، إن رأى شيئا منها يحتاج إلى الماء سقاه، وقد يكون ذلك من أسباب دخول الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". رواه البخاري (2234) ومسلم (2244). حادي عشر: أهمية اصطحاب الصحبة الصالحة، ذلك أنَّهم يعينون على طاعة الله، فصحبتهم غنيمة ومكسب، وعدم مصاحبة أهل السوء الذين يزينون المعصية ويثبطون عن الأعمال الصالحة، فالمرء عندما يخرج إلى النزهة فإنَّه ينشد الراحة والسعادة، ولا سعادة مع المعصية والإثم، وإنَّما المعاصي أثقال وأوزار وخسارة وبوار في الدنيا والاخرة، حتى ولو رأى المقترف لها أنَّ سعادته فيها، ذلك أنَّ الشيطان يُزيِّن المعصية ويُسهِّل فعلها ويهوِّن عواقبها فالحذر الحذر. ثاني عشر: أهمية اختيار المكان المناسب، فلا يناسب من معه أطفال الجلوس بالقرب من السيول أو المستنقعات أو الحفر والآبار المفتوحة أو بطون الأودية لخطورة ذلك عليهم. ثالث عشر: أهمية نظافة المكان، فلا ينصرف من مكانه الذي نزل فيه إلا وينظفه بالكامل، ثم يرمي نفاياته في الحاوية المخصصة لها، ولا يترك بقايا العلب والمواد البلاستيكية والزجاجية؛ لأنَّه إذا أتى بعده أحد ورأى المكان يحتاج إلى تنظيف، فإنَّه قد يُحرم من الجلوس فيه، أو يجلس فيه ويتأذى، وقد يصاب بجُرح هو أو من أتى معه بسبب زجاجة ملقاة على الأرض حتى الكائنات قد تتأذى منها وتموت بسببها، ويحصل بذلك التلوث البيئي، وفي ذلك إثم، وقد يُدعى عليه، ومن حق المسلم على المسلم أن يكف أذاه عنه، وإذا كان في إماطة الأذى صدقة ففي إلقاء الأذى إثم وخطيئة. فليحرص كل من ذهب إلى البر على النظافة، فمن حقِّ من يأتي بعده أن يرى المكان نظيفاً، ولو حرص كل واحد على النظافة في المنتزهات البريِّة وغيرها لما احتجنا إلى عمَّال نظافةٍ، يعملون على تنظيف تلك الأماكن، ولكنَّه التهاون واللامبالاة عند بعضهم.