منذ أسبوعين تقريباً كان هناك عدد هائل من التعليقات والتغريدات المتعلقة بمواعيد الإجازة الأسبوعية منها ما حمل الهزل والسخرية وأخرى جادة وإن اختلفت الموضوعية والمضامين باختلاف الرؤية والطرح.. ولن أكرر ما طرح ولن أعلق على رأي فما قيل جداً وهزلاً يكفي، ولكن مما لفت الانتباه ورغبت التعليق عليه هو يوم الجمعة الذي نال نصيبه من الحديث الساخر أو الجاد على الرغم من أنه ثابت والمتحرك هما الخميس والسبت، والتعليقات والتغريدات عن يوم الجمعة كانت هي الأخرى متباينة بين هزل غير مقبول شرعاً وأخرى جادة ولعلي أذكر وأعلق على الموضوع ببعض النقاط التي لابد من التذكير بها: يوم الجمعة يتميز عن أيام الأسبوع كلها، وهو يوم مبارك له فضائله وخصائصه وآدابه التي تليق بمقام هذا اليوم، وكما أشرت فهو خير الأيام. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَ) «مسلم». ولو لم يكن له من الفضل إلا تضمنه لصلاة الجمعة لكفى بها فضلاً وهي الصلاة التي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين، ومن تركها تهاونًا ختم الله على قلبه قال صلى الله عليه وسلم: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) «مسلم عن أبي هريرة».، وليس هذا فحسب ففيها ساعة يستجاب فيها الدعاء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ) «البخاري». قال ابن القيم بعد أن ذكر الاختلاف في تعيين هذه الساعة: «وأرجح هذه الأقوال قولان تضمنتها الأحاديث الثابتة: القول الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ) «مسلم». والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين. وللأسف نال هذا اليوم المبارك نصيباً من سخرية البعض واستهزائهم بيوم فيه شعيرة من أعظم شعائر المسلمين، وهناك من عدل في برامجه ونزهته في البراري والاستراحات و(المكشات) على مذهب أبي نواس حينما قالوا له لقد دخل رمضان فقال: والله لأقطعنه بالسفر، وهؤلاء الذين يتساهلون بيوم الجمعة ويضيعون ما فيها من النفحات هم لا شك من الخاسرين وأولهم من سيضيع صلاة الجمعة ويفوتها من أجل نزهة أو غيرها، وهناك من يفوتها في سهر بالليل فينام كل النهار ويفوت صلاة الجمعة ولا يخفى على كل ذي عقل وفطنة وخوف من الله عز وجل، خطورة التخلف عن الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» رواه مسلم. ومن الأخطاء والبلايا أن أناساً لاتفوتهم صلاة الجمعة فحسب بل إن يومها وليلتها تذهب والعياذ بالله في معاصي إما بالسهر في أمسيات بئيسة ومحرمة فيحرم الصلوات المكتوبة فجراً وجمعة وسائر الأوقات وبدلاً من أن ينال نصيبه في الأجر ومحو السيئات في هذا اليوم المبارك إذا به يفعل المعاصي في أطيب الأيام والليالي، وقد يجهل البعض أن ليلة الجمعة داخلة في الفضل مع يوم الجمعة ومن السنة إحياؤها بالذكر والاستغفار وليس بالمعاصي والذنوب، فهنيئاً لمن اغتنم الأجر وكفرت سيئاته في هذا اليوم وتعساً لمن فاته الأجر وزاد حمله من الذنوب والمعاصي فيوم الجمعة تكفر فيه السيئات فعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى) رواه البخاري. ومما أخشاه أن يذهب ضحى الجمعة ووقت صلاتها في نوم عميق وقد يدرك أو لا يدرك بعضهم الصلاة، وآخرون ربما ضاعت جمعتهم في بستان أو استراحة أو مكشات أو لهو بريء أو محرم، وآخرون ربما ضيعوا الساعات الأخيرة من يوم الجمعة بما ضيعه غيرهم في قيل وقال، ومجالس نميمة ولاحول ولا قوة إلا بالله. ومن الأمور التي تستحق الالتفات والعناية هو ما سيضيع على الكثير من العمالة الذين ستلزمهم المؤسسات والشركات أو تغريهم للعمل يوم الجمعة مقابل أجرة إضافية فيضيع عليهم صلاة الجمعة وخاصة أن عقود الشركات والمؤسسات تنص على يوم واحد للراحة. خاتمة: اللهم ما قسمت في هذه الجمعة من خير وصحة وسلامة وسعة رزق فاجعل لنا وللمسلمين والمسلمات منه أوفر الحظ والنصيب وماكتبت فيه من شر وبلاء وفتنه فاصرفه عنا وعنهم وعن المسلمين، اللهم أرضِّنا بقضائك حتى لا نحب تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجلته، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وأجعلنا من الفائزين، اللهم أغفر لنا ولوالدينا وارحمهما كما ربياني صغيراً اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام واجعلنا فيه من عتقائك من النار.. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [email protected]