من فترة لأخرى تبزغ نقاشات جديدة لأحداث طارئة في شبكات التواصل الاجتماعي، بعضها تحل عبر الاحتكام للأنظمة والقوانين، بغض النظر عن الآراء والتعليقات، وبعضها الآخر يظل معلقًا في مساحات النسبية، وتختلف الرؤى والمنطلقات حولها؛ ما ولد جدالات لا منتهية، تكبر وتصغر وتغيب وفقًا للمتغيرات السريعة. الشق الآخر، المساحة المرتبطة بالأعراف والاتفاق المجتمعي، لا تزال زئبقية لعدة منطلقات، حسبما أعتقد: أولاً: لا يزال الناس في مرحلة الصدمة والاكتشاف، بسبب وجود منصات وفرص حديثة من جانب، ومن جانب آخر لحضور شخصيات بطرائق مختلفة عمَّا عرفوهم عليها ذاتها، أو عمَّا عرف عن الفهم الجمعي، شبه المتفق عليه. ثانيًا: تسارع ظهور الأحداث والظواهر بشكل تتابعي، ما تسبب في تجاوز كل حدث لآخر عارض قبل إنهاء النقاش حول سابقه، وعدم الاتفاق على ماهيته أو طرق التعامل معه، أو حتى تصنيفه. ثالثًا: تطور مفاهيم مجتمعية كثيرة، بسبب التقنية وغيرها، وصارت المصطلحات أضيق من التصرفات والطوارئ، ما جعل كثيرين يتجاوزون العمل بالتوصيفات القديمة، دون الوصول لمسميات أو نظريات مستحدثة. رابعًا: فراغ المفاهيم والأولويات بين الأجيال، حيث تركز الأجيال الحديثة على أساليب للتعبير والعيش تختلف عما استخدمه من سبقوهم، وتستند على الوضوح والقوة والمباشرة، دون اعتبار للسياقات أو المعطيات المصاحبة غالبا. خامسًا: تحول المجتمع من واحد إلى مجموعة من المجتمعات الصغيرة والمتناثرة داخل المجتمع، ولكل منهم أعرافه الذاتية ونخبه الخاصة، ووسائل التواصل والتفاعل والتعبير والرفض. وعلى الرغم من كل هذا التباين، فإنه لا بدَّ من التذكير بأن الأعراف والمفاهيم المجتمعية لم يتم الاتفاق عليها (تمامًا) في أي حقبة زمنية، والاختلاف حولها صحي في معظم الأحايين؛ لأنه يفرض تنوعًا بالمجتمع، ما يفضي للإبداع والابتكار والأفكار الجديدة. وحتى هذه الظواهر - إن صح وصفها بذلك - ستتشكل بصورها الأخيرة مع الوقت، بعد غياب العاطفة وتشكل الحجة، ويكون التعامل معها واضحًا، أو الرأي تجاهها شبه موحد من قبل الأغلبية التي تميل للرأي الجمعي. وقد تلغي التقنية والاستخدامات الرقمية، مفهوم العرف المجتمعي فيصبح لدينا "الأعراف الرقمية"، أو قد تتلاشى تمامًا.. والسلام.