على رغم كونها ليست جديدة، إلا أنها باتت طاغية أخيراً، منذ أن استدل السعوديون على طريق وسائل التواصل الاجتماعية، برز ما يمكن تسميته"أزمة حوار"بين أطراف غالبية النقاشات السياسية والفكرية والثقافية... وحتى الرياضية. وبعد أن كان الأمر يبدو أكثر"تأزماً"بين الشرائح الأقل ثقافة، كشف"تويتر"أكثر من أي شيء آخر عن حجم الاحتقان بين النخب في نقاشاتها، ليثبت عبر تغريداته وما بعدها أن الأزمة أعمق بأضعاف بين النخب من حقيقتها بين غيرهم. تختلف التشخيصات بين المثقفين والمحللين حول جذور أزمة الحوار بين النخب السعودية، في حين يرى بعضهم أن"المحتقنين"والمحطمين لقواعد الحوار عبر"السلوك الخطابي"أو من طريق"جمع الشهود"يجب إبعادهم تماماً عن صفة النخبوية، مهما كانت اعتباراتهم. عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني تشكل المفاهيم الجديدة، وتبلور الأفكار أو تصقلها، إضافة إلى النظرية الراسخة بين كثيرين حول أن للحقيقة وجهاً واحداً، وطغيان الآيديولوجيا على العقل، إضافة إلى ما وصفه بعضهم ب"ترسبات التخلف التي لا تزال حاضرة"، هي أهم الأسباب التي قال مثقفون إنها أسباب ومغذيات الاحتقان بين النخب. أساليب أخرى، سواء كانت قديمة أم جديدة أم مجددة، عادت لتظهر في ساحات الحوار بين النخب، ما انطبع أيضاً على سواهم، مثل شدة الخطاب وارتفاع الصوت واستخدام المصطلحات الهجومية، ومهاجمة الشخوص بدلاً من الأفكار تناقشها"الحياة"مع مجموعة من المثقفين والكتّاب في حلقة تناقش تحول"النقد"إلى"نقض"في حالات كثيرة! الافتقار لمؤسسات مجتمع مدني يعطل تطور الأفكار نظرية"وجه واحد للحقيقة"والسلوك"الخطابي"يرفعان" الاحتقان"بين النخب عزا الكاتب والمفكر السياسي الدكتور توفيق السيف الاحتقان بين النخب السعودية من تيارات مختلفة إلى سببين رئيسين، هما افتقار المجتمع لمؤسسات مجتمع مدني تساعد في ما سماه"عقلنة القضايا وطرحها في الفضاء العام بشكل منظم ومرتب"، في حين كان السبب الثاني من وجهة نظره افتقار السعوديين لثقافة الحرية في الحوار، وعدم قبول الرأي الآخر. ويقول السيف:"في دراسات العلوم السياسية كل القضايا تبدأ برأي شخص أو شخصين، ولكن إذا كان صاحب الفكرة شريكاً في مجموعة، تدخل الفكرة في نقاشات وتعدل، حتى تصبح فكرة يتبناها عدد كبير من الناس". ويضيف:"حين تنتقل الأفكار عادة من حال فردية إلى حال جمعية تكون ألين وأقرب إلى استيعاب المصالح المركبة والمتعددة، وهذا ما تقوم به عادة منظمات ومؤسسات المجتمع المدني مثل الأحزاب والنقابات أو المؤسسات مثل الصحافة". وعن الأثر الذي يتركه افتقار المجتمع لمثل هذه المؤسسات، يرى السيف أن الرأي يتحول إلى ما يشبه الخطابة، لجمع أكبر قدر ممكن من المناصرين الذين يتحولون إلى حطب للصراع. ويمضي في تشخيص الحالة السعودية بقوله:"الرأي عندنا يكون أشبه بالخطابة، والفرصة الوحيدة للحوار وطرح الأفكار تأخذ شكل الخطابة، ما يمنع معارضي الرأي من إيجاد مساحة للنقاش، في حين أن المستمعين يظهرون على أنهم مؤيدون له". ويعتقد أن هذا الأسلوب في طرح الرأي يعطي عادة فرصة للآراء المتطرفة والعالية الصوت والخشنة، لأنهم يعتبرون أنفسهم مناصرين، ليتحول الأمر إلى حال من استقطاب الشباب والأصوات المؤيدة، لكن السيف يشير إلى أن ذلك"لا يعني أن الشباب الداخلين في دائرة الاستقطاب مغفلون، ولكن بالنسبة إلى الشباب وتحديداً من هم أقل من سن ال25، فهؤلاء حين يشاهدون صراعاً أو جدلاً ينضمون إليه بعفوية وبشكل غير مدروس ليس لأنهم يناصرون الفكرة، ولكن لأنهم يجدون فيها مجالاً للتعبير عن الرأي والذات". ويلفت إلى نقطة أخرى متعلقة بحرية النقاش العام،"في القضايا المتعلقة بحرية النقاش العام، مثل قضية تركي الحمد أو حمزة كاشغري، اللتين نوقشتا في الصحافة"، ويتابع:"الذين يكتبون في الصحف يعلمون أن الصحيفة ليست ملكاً لهم، بل للقراء ولمن يراقبون الصحيفة وللمجتمع بأكلمه، فبعضهم يعرف أن رأيه سيصبح عاماً، ما يدفعه لمحاولة جعل رأيه أو طرحه مقبولاً عند شريحة كبيرة من المجتمع". ويعود السيف ليؤكد أن"افتقار البلد لمؤسسات مجتمع مدني قانونية، هو ما يجعل النقاشات خشنة محتقنة، إذ لم تعد هذه النقاشات في إطار النقد وإنما في إطار النقض"، معتبراً أن"النخبة ليست مسؤولة عن هذا الوضع، بل عدم وجود مؤسسات المجتمع المدني". لبس في مفهوم التسامح ترى الشاعرة والكاتبة الدكتورة لمياء باعشن أن التسامح يقوم على احترام الآخرين، وتلفت إلى اللبس في مفهوم ترجمة الكلمة Tolerance عن اللغة الإنكليزية، فترجمتها إلى"التسامح"لا تعطي الكلمة حقها من وجهة نظرها. وتضيف:"التسامح يعطي انطباعاً بأن هناك خطأ ما أو إساءة متوقعة من الطرفين، وكل منهما سيسامح الآخر على ذلك الخطأ، لكن الكلمة في أصلها تعني التعامل الحسن العادل والموضوعي مع المختلف معه، وتقدير آرائه ومواقفه الفكرية والسلوكية". وترى أنه"إذا كان منطلق التعامل مع الآخر مبنياً على أنه سيخطئ حتماً، وأنك في موضع أفضل يتيح لك تجاوز ذلك الخطأ وتحمله، فإن ذلك هو التسامح في مفهومه المحدود جداً". وتتابع:"ما تطمح إليه فكرة التسامح أن يكون الاحترام المتواضع أساس التعامل بين شخصين مختلفين، وبذلك يدخل الطرفان في علاقة اجتماعية أو فكرية متوازية وخالية من التعصب أو التحيز". وتضع باعشن"غموض مفهوم الحياد الفكري"من أسباب التمسك بالرأي وانزعاج الشخص حين يرى آخرين يعارضون فكرته، وعن ذلك تقول:"صاحب الفكرة يندمج معها إلى حد أن يصبح هو والفكرة كياناً واحداً، لذلك حين يعارضه أحد ينزعج، لأنه يشعر أن رفض الفكرة رفضٌ لشخصه". وزادت:"قليلون هم الذين يسعون إلى الحقيقة بشكل مجرد وخالٍ من حق التملك، وأولئك القلة تجدهم ينتشون فرحاً إن وجدوا من يعارضهم، لأنهم يعتبرون المعارضة فتح زاوية نقاش تضيء ما استغلق على العقل الواحد، أما الذين يفتقرون إلى النظرة الموضوعية فتجد مواقفهم صلبة ومستعصية على الزحزحة، وكأن الواحد منهم إن سمح بالجدل فسيفقد أرضيته، ومكانته واحترامه لذاته". جمع الشهود تقف الشاعرة والكاتبة السعودية عند ما تصفه ب"ظاهرة تستحق التوقف"، تتمثل في"جمع الشهود على قوة الرأي"، وتضيف:"من خلالها يتم الحكم على المعارض للرأي بأنه ضعيف من خلال عدد المؤيدين والمعارضين، مشبهة هذا الوضع بالدخول إلى حلبة صراع تستوجب وجود متفرجين ومناصرين". وتذهب إلى أبعد من ذلك:"لا نكتفي بأن يكون هناك من يشهد لنا بأننا على حق، بل نذهب إلى أبعد من ذلك، فنحن نريد أن نصغّر من حجم المعارض والانتقاص من قدره حتى تزداد فكرتنا قيمة ومقداراً، ولأن الفكرة هي صاحبها، فإن التقليل من قيمة المعارض تقلل بالضرورة من قيمة فكرته المخالفة لفكرتنا". وتعزو سبب وصول النخب السعودية لحال الاحتقان إلى"اعتقادنا بأن للحقيقة وجهاً واحداً، وأن من يسبق إليها هو الفائز بها، فيصادرها ويمنع غيره من معارضتها، المعارضة في حد ذاتها هي في الحقيقة منظور مختلف لتلك الحقيقة لا ينفي المنظورات الأخرى، لذلك فإن الرأي الآخر هو إضافة وإثراء يستوجب الإصغاء والتفكير، ومن ثم التأمل للوصول إلى رؤية أكثر شمولية وعمقاً، رؤية قائمة على احترام الآخر وتقبله بتواضع وتقدير". الحنيني: يغيب التسامح عندما يتعدى على ثوابت الدين عرّف المشرف على مركز الفكر المعاصر الدكتور ناصر الحنيني التسامح على أنه"مأخوذ من السماحة والأدب واللين والتجاوز مع المخالف بالعدل". وأضاف:"حين نتحدث عن مصطلح التسامح، فلا بد من سؤال: من الذي يطلب من الآخر أن يكون متسامحاً؟ وماذا يقصد؟ فإن الله عبر في القرآن بأبلغ من هذا المصطلح، فقال: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، فالبر هو الإحسان للمخالف والقسط هو العدل، وهذا المعنى حق". ويرى الحنيني أن هناك من يطلق ويردد مصطلح التسامح ويقصد به معاني خاطئة كإلغاء بعض الأحكام الشرعية. وقال:"بعض من يطلق مصطلح التسامح يريد به معاني خاطئة مثل إلغاء بعض الأحكام الشرعية مثل الولاء والبراء وحد الردة". وتابع:"نعم يغيب التسامح بسبب التعدي على ثوابت الدين والقدح في الرموز الشرعية بعيداً عن العدل والنقد البناء وشخصنة النقد والتعدي بالألفاظ التي لا تليق". وعما تفعله بعض النخب الثقافية من مختلف التيارات من إسقاطٍ لحق الآخر في الاختلاف، أوضح الحنيني أن سبب التعدي على المخالفين يعود إلى الجهل بآداب الشريعة واتباع الهوى والانتصار للنفس من دون النظر في حجة المخالف. ورأى أن من الأسباب كذلك بروز فئة معادية ومنابذة للأحكام الشرعية، لأنها تخالف أهواءهم. ويؤكّد الحنيني أن وجود مؤسسات مجتمع مدني أو أهلي ضرورة حضارية، ليتحمل المجتمع المسؤولية ويسهم في النهضة،"فغيابها تهميش لدور الفرد مهما حمل من مواهب أو شهادات". الصقيه:"الاحتقان" يسبق النقاشات أحياناً يرى المستشار القانوني والشرعي الدكتور أحمد الصقيه أن التسامح مفهوم واسع وله شق ديني يتمثل في سماحة الإسلام مع المخالفين، ودعوات الحوار الربانية، وحوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين، وحواره مع الشاب الذي استأذنه بالزنى وغير ذلك من الحالات التي يشهد عليها التاريخ الإسلامي. وقال الصقيه:"إذا أردنا التحدث عن الحوار فنحن نعرف الآيات التي تدعو إلى الحوار والموعظة الحسنة، وهناك حوار مع الشيطان والملحدين ومناقشتهم، والحوار الذي دار بين موسى وفرعون، وكذلك ما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تفعلون. وهنا تنزّل مع الخصم بأن سمّى ما يقومون به فعلاً، بينما ما يفعله المحاور جرماً. والإسلام رسخ معنى أن يكون المقصود الوصول إلى الحقيقة، وأضاف:"البعض يتخذ الشتيمة أداة لمنع وصول الحق، فيؤثر في الحق وفي الصورة الذهنية للفكرة التي يدعو إليها، وهناك آية قرآنية كريمة تصف كيف أن سبّ المشركين ربما يؤدي إلى التعدي على الله عزوجل من دون قصد، في قوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم. وهناك حوارات مثل حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع من استأذنه في الزنى، ومواقف كثيرة تدل على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار، والإسلام رسخ كل سبيل للاستماع إلى الحق والحوار مع المخالف". ويضيف الصقيه:"لك أن تتصور أن أحد أركان الإسلام، وهو الزكاة أحد أصنافها الثمانية هم المؤلفة قلوبهم، تصرف مثلاً لغير المسلم تأليفاً لقلبه، ومن ثم انشراحه لدعوة الحق والاستجابة له". وعلل الصقيه حال الاحتقان الموجودة بين النخب السعودية في حواراتها، بقوله:"حال الاحتقان والخصومة مشكلتها أنها تسبق الحوار في كثير من الأحيان، فكثير من المتحاورين تكون لديه صورة مسبقة يدخل بها إلى الحوار"، مؤكداً ضرورة أن يدخل الشخص الحوار"وفي ذهنه أن يوصل الفكرة ويخدمها حتى يكون الحوار مثمراً". إلا أن المشكلة بحسب المستشار القانوني والشرعي تكمن في"اتهام الآخرين وإلباسهم أوصافاً قبل سماع ما لديهم، وهو ما يدفع الناس إلى اجتناب الحوار، وربما رد الحق بسبب هذه الأوصاف السابقة، ولو استعرضنا الهدي النبوي الشريف لرأينا كيف كان يتعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المخالفين على وجه يحقق مقصود الشريعة في نشر الدعوة وتعليم الناس الخير". عبدالله بن بجاد: مكونات التخلف حاضرة ... و"الآيديولوجيات"تهزم العقل يشخص الكاتب والباحث عبدالله بن بجاد أزمة الصراع بين النخب بأنها"صراع أفكار في الأساس". ويقول إنه لا يمتلك تعريفاً خاصاً بمفهوم التسامح، لكن هذا المفهوم يستخدم حالياً في شكل عام بالمعنى الحديث له، والذي نشأ في سياق الحضارة الغربية. ويضيف:"المفهوم حالياً يستخدم عموماً في معناه الحديث الذي نشأ في سياق الحضارة الغربية للإشارة إلى معان عدة، منها قبول الآخر وعدم إيذائه واضطهاده بسبب آرائه الدينية أو الفكرية أو نحوها، وتطوّر لاحقاً ليدخل في عددٍ من منتجات الحضارة الغربية التي تمّ تحويلها عبر المؤسسات السياسية والإنسانية الدولية لمنتجات عالمية من خلال مواثيق ومعاهدات، تحفظ المعنى المراد بهذا المفهوم". ويتابع:"عند المقارنة، نجد أنه مفهومٌ أفضل من حيث الإشارة للمعنى المراد من مفهوم التعايش مثلاً، على رغم أنّ كلا المفهومين يكتنزان دلالةً ? على الأقل في الاستخدام العربي - تشير إلى طرفٍ أفضل من طرفٍ أو أرقى منه أو حتى أقوى يقدم على فعل التسامح مع الآخر الأقل أفضلية أو رقياً أو قوة". وعن التحريض يقول ابن بجاد:"التحريض عادة ما يكون إشارة لقول أو فعل لا أخلاقي يرتكبه شخصٌ أو جهةٌ أو تيارٌ ما، ويراد به مضرة الخصم بحق أو بباطل، وغالباً ما يكون فيه تزييف أو كذب غرضه الإيذاء، هذا بالنسبة للمحرِض، أما المحرَّضُ فهو غالباً سلطة ما، ربما تكون سلطة سياسية أو دينية أو شعبوية أو غيرها من أنواع السلطات، واللجوء لهكذا تصرف غالباً ما ينمّ عن ضعف حجة، ووهن خطاب وكساد رؤية". وعن السبب الذي يدفع المتحاورين إلى إسقاط حقوق بعضهم أثناء الخصومة يقول:"الإشارة لمفهوم الحقوق في السؤال عما يدفع النخب في السعودية إلى إسقاط حقوق الخصم إشارة ذكية، فهذا المفهوم الحديث نشأ في السياق الحضاري الغربي، وتكالبت على استخدامه ورفعه كشعار تيارات عدة ٌفي الداخل السعودي، تجمعها المعارضة ويفرقها كل ما سواها، فتجده شعاراً للأصولي الذي يريد به الدفاع عن الإرهابيين المجرمين، معتبراً إياهم أصحاب رأي". واعتبر أن استخدامات مفهوم الحقوق تختلف من فئة لأخرى، فالمثقف يستخدمه للحصول على خدمات يعتقد أنّه فقدها لمجرد انتمائه لأقلية ما، في حين يستخدمه المنتمون للإسلام السياسي بشتى فئاتهم للحصول على مكتسبات سياسية أو سلطوية عموماً، ضمن مشروع أكبر لا يتضمن استخدام المفاهيم الغربية بعد تحويرها فحسب، بل يشمل ما هو أخطر، إذ يعاد تأويل المفاهيم الدينية سياسياً بما يخدم المشروع، مع إعادة كتابة التاريخ القديم والحديث ليخدم الغرض ذاته، وهذا موضوع يطول شرحه". وزاد:"يمكن بسهولة رصد كيف تتفرق السبل وتتشتت الجهود بين هذه التيارات حينما تأتي لحظة كاشفة توضح التناقضات التي تكشف حجم زيف الاستخدام المغرض لمثل هذا المفهوم الحديث في سياق حضاري مختلف، لا يؤمن أكثر رافعيه به، بل لدى كل طرف تأويله الخاص والمستتر له. ويرى ابن بجاد أن أسباب وعوامل الاحتقان بين النخب تختلف عن أسباب الاحتقان الأخرى بين الفئات غير النخبوية، عن ذلك يقول:"يفترض السؤال أن لدينا احتقاناً عاماً يشمل المثقفين والنخب والمجتمع، وربما كان هذا صحيحاً، غير أنّ احتقان المثقفين والنخب له مسببات ومغذيات ودوافع وأهداف تختلف تماماً عن المجتمع، فلننح موضوع المجتمع جانباً ونبقى في المثقفين والنخب، فالمثقفون والنخب ليسوا فئة واضحة المعالم، ولا يمكن حصرهم بتعريف جامع مانع كما يقول علماء الأصول". وأضاف:"أصبح بعضهم اليوم يحسب أنّ من كان عالي الصوت كثير الأتباع بيّن التعصّب من المثقفين والنخبة بالضرورة، وهذا تصور خاطئ، ولكن وإن تجاوزنا مثل هذا الإشكال وأمثاله على رغم أهميته، فإن المسؤولية الأكبر تكمن في السياق الحضاري الذي نعيش ضمنه". سياق وصفه ابن بجاد بأنه"متخلف مقارنة بالأمم المتحضرة شرقاً وغرباً"، مشيراً إلى أنه"لا تزال مكوّنات التخلف لدينا أكثر حضوراً وتأثيراً من مكونات التحضر، والآيديولوجيات لدينا تهزم العقل، والمتطرف والمتعصب يبزّ المعتدل والمفكر، وهكذا". عازب آل مسبل: المتعالي ومتبّع الهوى لا ينتمي للنخبة جرد عضو مجلس الشورى عازب آل مسبل كل من يفرض رأيه على الآخرين لمجرد الهوى بعيداً عن الحق من حق الانتماء إلى"النخبة"، مؤكداً ضرورة وجود قاعدة ينطلق منها المخالفون. ويقول عن مفهوم التسامح إن له أكثر من تفسير،"فالتسامح إذا ورد عند العرب فيقصد به التساهل، ويفهم من لفظ التسامح المفاعلة بين طرفين يتساهلان في أمر يملكان القدرة على التسامح فيه، وهذا من ناحية المفهوم اللفظي والمعنوي". أما ما يدفع النخب والمثقفين السعوديين إلى التحريض ضد بعضهم، فبحسب آل مسبل فإنه لم يقف على شيء من ذلك، إذ يقول:"النخب لفظ عام وكذلك لفظ المثقفين، فالثقافة تعني الأخذ من كل فن بقدر، والفنون متعددة منها اللغوي ومنها العلمي و منها الشرعي ومنها الأدبي إلى غير ذلك، وإذا كان المقصود هو الاختلاف في وجهات النظر ومحاولة فرض رؤية على أخرى بلا سند ولا دليل، وإنما لمجرد الهوى فلا يصح أن يُسمى هؤلاء بالنخب والمثقفين". وعن غياب مفهوم الحقوق عند المتحاورين، يرى عضو الشورى أن السبب يرجع"إلى عدم معرفة الحق أو التعالي عليه"، ويتابع:"هذا ما يوصل المتحاورين إلى عدم الرضوخ للحق والإذعان له، فمن المعلوم أن المناظرة بين طرفين مختلفين في موضوع تنبني على مدى حب كل من الطرفين للوصول إلى الحق، فمتى صحّت هذه المسألة صحّت المناظرة وزال الخلاف ولم يكن هناك احتقان، ولا بد من وجود قاعدة ينطلق منها المختلفون، أما أن يغرد أو يكتب كل لوحده برؤيته ومنطلقاته، ولا يعتقد أن الحق ربما يكون مع غيره، فسيبقى الأمر بعيداً عن الجادة والهدف".