يمضي الإنسان أيامه الجميل منها والمؤلم مسايرًا لها بالطريقة التي كتب الله له أن يقضيها، تبدأ منذ الميلاد بالطفولة والبراءة؛ إذ يعتبر العقد الأول من الحياة عقد الاعتماد على الآخرين في قطع طريقها. ليقوى العقد مع تتابع سنواته متزينًا بسلسلة من الاكتشافات.. عقد تَقل في بدايته الذكريات وما إن ينتصف العقد حتى تبدأ حياة الدراسة واكتشاف العالم الخارجي وتكوين العلاقات الواسعة مع الآخر، لينتقل منه المرء إلى عقد التجربة والمغامرة، كشف خبايا العالم، ودهاليزه الشيّقة التي تفتح آفاق العقل وتوسع مداركه. وقبل أن ينتهي هذا العقد يكون عقل الشخص قد بدأ بترسيخ قواعد العيش واختيار درب الحياة ورسم خطوط المستقبل التي قد يفرض على الشخص توجهها، وتحديد مصيره في مجالات متعددة الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية، لينتقل بعدها إلى عقود ترسيخ الخطى وتثبيت الحياة وهي عقود تستمر معه بقية حياته حتى يصل بها إلى الراحة والاستقرار أو الشقاء والتعب، وإن كان في إمكانه التعديل والتغيير خلالها، وبتجاوز هذه المرحلة قد تُفتَح له أبواب وتختفي أخرى لا يمكن إعادة فتحها، في هذه المرحلة يكون الإنسان هو المسؤول الكامل عن نفسه وتحديد وجهته، فهو من يقرر كيف ستكون بقية حياته إن استطاع أن يجيب على أهم سؤالين محوريين في هذه المرحلة: من أنا؟ وأين سأكون؟ إن الإنسان يحتاج إلى إدراك هذه السلسلة من الحياة في فترة مبكرة من عمره حتى لا يفوته الوقت الذي قد يكون سببًا في فوات كثير من الأمور المتعلقة ببناء الحياة التي يطمح إليها. يجب أن يُبنى هذا التفكير عند النشء منذ إدراكهم وفهمهم لسلسة الحياة حتى لا تثبت لديهم قاعدة أن الحياة "عيش يومك"، متكلًا على أن الغد سيأتي محملًا معه خيره، ولا تعارض بين هاتين الفكرتين ولا تستنقص إحداهما الأخرى بل هي موافقة لقاعدة "اعقلها وتوكل"، فالرزق لا شك محتوم على الإنسان فهو لا يختار زرقه وحياته، لكنه يستطيع - بمشيئة من الله تعالى - أن يبني مستقبله من بداية أيامه، فحينما يعرف الشخص الإجابة على الأسئلة السابقة سيكون لديه هدف يسعى للوصول إليه مع استغلال الفرص التي تمر به، فالفرصة في الحياة نوع من أبواب الرزق الذي يجعله الله لك في دربك، وأنت هنا مخير بين أن تقبله أو ترفضه، وعليك أن تكون دقيقًا في قرارك، فقد تسقط فرصة لا تعود، أو تقع في غلطة لا يمكن تصويبها. رتبوا عقود حياتكم بالشكل الذي تتمنون أن تكون أيامكم مجملة بها.. متمنية للجميع حياة كعقد لؤلؤ منتظمة في اصطفافها، ناصعة في بياضها، فاتنة في نقائها.