خُلِقَ الإنسان بطبيعة اجتماعية، يحيا بها متفاعلًا مع أفراد المجتمع الذي يعيش به، فالتواصل هو عَصَبُ الفعل التشكيلي للحضارات والتجمع الإنساني عبر العصور التاريخية بثقافاتها المختلفة، فتنمو العلاقات وتتطور، ويتجدد السلوك الإنساني، مرتقيًا بتبادل المشاعر والأفكار، منتجًا لعلاقات متفاوتة بالعمق والتقارب، متنوعة بين العائلة والصحبة والزمالة... ويكون التآلف والتفاهم سببًا في تقوية العلاقات وتقاربها، وعدمه سببًا في انتفائها وانقطاعها. إذا كانت تربطك علاقة بإنسان تحتل مكانًا عميقًا من قلبه، فلا تتوقع أن تلك العلاقة ستتبدل في يوم وليلة، فالمشاعر أسمى وأنقى من أن تتغير في لحظة من حب إلى كره، أو من اهتمام إلى عدم المبالاة، فالعلاقة بين البشر تحكمها تراكمات لمواقف، وتتابع لأحداث تعللها إجابة على الأسئلة: ماذا فعلتْ؟ ولماذا فعلتْ؟ وكيف فعلتْ؟ إن هذه اللحظة من التحول هي "القشّة التي قصمت ظهر البعير"، ربما لم يكن متوقعًا في يوم الوصول إليها. إن القشّة التي قَلَبت كيان المشاعر والعلاقات هي موقف قد يكون صغيرًا، لكنه جعل الشخص يعيدُ حساباته معك، ويراجع سجلات المواقف بينكما، ليكتشف فجأةً أنه كان يتنازل عن أمور، ويتغاضى عن هفوات، ويجعل المواقف تسير ببساطة حتى لا يحمل في قلبه كرهًا أو سوادًا تجاهك، لكن ذلك حتمًا لن يدوم، في اللحظة المناسبة التي قُدّر له أن تصحو من طيب تعامله معك، سيضع حدًا لعلاقته معك، وستجد أن القشّة قد سقطت لتكشف الغمام عن علاقة ليس من المناسب أن تستمر. وقفة صمت ستقضيها تلك اللحظة يا من كَشَفتْ لك القشّة السّتار عن حقيقة كنتَ غافلًا عنها، تعيد بها شريط المواقف بينكما، قد تكتشف خلاله أنه قد استغل نقاء سريرتك وأسلوبك الحليم، والتماسك الأعذار له، في تمادي سلوكه، وسوء تعامله معك. هنا يجب أن تصحو من سَكرة الصحبة والمودة، مهما كان عمق العلاقة وعمرها بينكما، والتعامل مع تلك اللحظة بحزم كما تتعامل الشجرة مع أوراقها في فصل الخريف حينما تفنى خُضرتها ولم يبقَ منها سوى صفرة تبدلت مع تقلّب الظروف والأيام، يثقل وجودها عاتق الشجرة فرمتْ بها، العلاقة التي تؤذيك تخلص منها، وانسل كل خيوط تربطك بها، وانسى معها كل شيء، سوى أنها كانت في يوم ورقة خضراء جميلة براقة في عمر الحياة.