حينما تلمح أقداماً صغيرة تغوص في موج البحر تفتش عن الشمس الغائبة، حينما تسمع صوتاً يتردد خلف الحارات القديمة ورائحة الطين، حينما تسمع عن حفلة صيد سمك، حينما ترى أحلاماً من أكواخ تتراقص على الشط وعند المحار وجه طفل ينادي والده ويلوح له بيد ممتدة إلى السماء لتقطف النجوم.. فأعلم بأن ذلك هو "الشاعر علي الشرقاوي".. يخرج من "المكشوف" يحمل بيده فأساً وشبكة صيد وثوبه الذي يعصبه على جسده ليلوح لنا مبتسماً ولينادي علينا ليقول "الموج يغرق أكواخي، ولكن أعرف بأن النور بالداخل. ثم يغمز بإحدى عينيه ليخفض صوته ويضع يده تعبث بخصل شعره ويشاكس ليهمس "والشاطر من يتقن اللعبة أكثر من الآخر". في الصف السادس منذ عرفت أن النور في الداخل.. ماعاد شيء يوقفني يباغتني "الشرقاوي" بأسلوبه المتفجر بالصخب والحياة ليقول لي: "نعم . أرغب في أن أدخل لعبة المكشوف هنا" يخوض هذه التجربة وأنا أتحسس في صوته حب وحياة، يدخل عبر هذه الممرات ليعود بشبكة صيد.. ولكنها لاتشبه شبكة الصيد التي كان يصطاد بها السمك مع والده الراحل بل شبكة تتناثر فيها المحار ليقول بالمكشوف "حريتي بقلبي فلا يوجد فوق أو تحت. لايوجد خير وشر. ثم يسرق من السماء نظرة ليهمس " في غرفة نومي تجلس بقربي النجوم. وبعد أن يلتفت للوراء يمد يده ليشير فيقول "وهناك عند ساحل البحر أضحك مع القمر في مقهى عابر لنقول للمستقبل "لاتزعجنا بالوهم" فقلبي مازال يتحرك . الشاعر الجميل "علي الشرقاوي" عبر صفحة على المكشوف "يحلم ويرقب الذكريات ويعشق ويطير ثم يضحك على من يحقد عليه ليعده بأن يغيره بالحب.. الشرقاوي "هنا يقول كل شيء سوى كيف عاش تجربة موت طفله". قحط الروح الشرقاوي في الحارة القديمة لن أبوح بسر دفن طفلي الذي مات في ولادته * لاشيء يفرحني، العتمة بين أصابعي، الخوف ينام على كتفي، والجوع بالقلب لا بالطريق، أمل خلف أمل. يأتون مثقلين بخسارات مظلمة، تربط مواثيقها المجروحة لدى الألم. تطرق رأسها خجلاً، تبتسم، ترحل.. كم أمل عشت من أجله ثم جاءت العتمة لتبدده في أعماقك وترحل؟ كيف هي خساراتك الماضية؟ - عشت كحياة الشجرة في منطقة محاصرة بالقحط، ما أن تحاول جمع بعض قطرات الندى لتواصل حياتها، إلا وترى قوافل القحط تأتي من كل الجهات. كان الداخل مفتوحاً لكل ما له علاقة بالمحبة، تواقاً لارتشاف الجديد والمختلف ولكن الخارج لا يتوقف عن سد مسارات الطاقة في الداخل، لذلك حاولت لإيجاد صيغة من التوازن النفسي بيني وبيني. فتعاملت مع المخيلة، ورأيت فيها كل ما لا يمكن أن تحققه في الواقع تستطيع أن تحققه في الخيال. بالخيال استطعت أن أجد الماء الذي أريد. فتوقف القحط وبدأت في خلق الثمار التي أظنها غير متوفرة في أشجار أخرى تشبهني. فإذا ما حاصرتني العتمة، من أي جهة من جهات الأرض أشعل النور الداخلي، فتتراكض الأنوار والألوان والموسيقى من كل الخلايا لتنط إلى الخارج. الشرقاوي في الطفولة مع تلك المرأة لا أحتاج إلى الكلام.. تكفي «شرارة» لنشتعل الخسارات التي تتكلمين عنها ليست خسارات، بقدر ما هي تجارب، قذفتني إلى مواصلة مشروع حياتي، دون الالتفات إلى الوراء. إلى الماضي غير الموجود إلا كذاكرة لم تعد لنا، وكتاريخ نتعلم من اضاءاته. لكنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن اللحظة التي نعيش. تتكلمين عن الخسارات فيما أتكلم عن التجارب. ابن البحر * كتبت (واسعة قامة البحر كالابتسامات في غبش العيد، كالحلم هذا هو البحر، عاصفة تسكن الكوخ والصوت، وشم على سمرة الخد) كم كوخ بنيته على شواطئ البحر ثم جاء الموج وسرقه منك؟ ماذا تقول لقامة البحر حينما تلتقيها؟ ومتى آخر مرة بكيت عن قدميه؟ - البحر صديقي الذي لا يفارقني، وإذا جاز التعبير أنا ابن البحر، بل أبعاده ورموزه، بكل غضبه وهدوئه، فوالدي كان صياد سمك، البحر كان قوت يومنا، اعرفه في كل حالاته. لذلك ما أن أسافر بعيداً عن الوطن، حتى أجدني مدفوعاً للبحث عن البحر أو ما يشبهه. ربما جاء الموج واغرق بعض الأكواخ التي بنيت وبعض الحدائق التي زرعت. لكنني أعاود البناء دائماً. فالأسس التي وضعتها اقوى من كل الأمواج التي تأتي وتذهب. أنا ابني عادة في الداخل، ومنذ أن عرفت إن النور في الداخل. ما عاد أي شيء يوقفني من مواصلة البناء. مازلت املك الكثير من دوافع الروح الايجابية. واملك من المرونة في التأقلم مع كل الظروف التي أمر. خاصة وأنا عشت في أسوأ الظروف وعشت أيضاً في أجملها. علي الشرقاوي في بداية التسعينات بيوت الذاكرة * كلما مررت بطريق، بحي، بمسارات، تنقض علي صورة حارتي القديمة. أصوات الأطفال الصاخبة، الأبواب المفتوحة، وسكك لأناس ووجوه.. أين أنت من حارة طفولتك الآن؟ أتأتيك رائحة البيوت القديمة لتذكرك بعمر مضى؟ ماذا بقي فيك من الحارة؟ - كما كنت ابن البحر أنا ابن الحارة، ابن الفريج، هذا الذي كنت اعتبره قارة كاملة. وعالم متجانس إلى درجة بعيدة. في الحي لا يمكن أن تكون هناك فوارق بين إنسان وآخر أو بين بيت أو آخر، الغني يرسل اللقمة لمن لا يملكها، ولسنوات عديدة يصلنا الأكل من البيوت الأغنى, وبين أطفال الحي لا توجد إلا فوارق الثياب الأنظف والأرقى، ولكن الكرة في ملعب الفريج واحدة، كلنا نتقاذفها، والشاطر من يتقن اللعبة أكثر من الآخر .دائماً ما أعود، خاصة في الأعياد، إلى الحي الذي فيه نشأت، وارى التغيرات الحديثة التي أجريت على البيوت. ولكن أزيح الشكل الخارجي وأعود إلى البيوت بصورتها الموجودة في الذاكرة. بمعنى أن كل ما حدث لا يهمني. المهم عندي أن أرى واسمع واشم، ما عشته وأنا في عمر السادسة إلى مرحلة ما قبل البلوغ.. النور * كتب أمين صالح ( في أسئلتي أكتشف حريتي. لم أرك تحلم قط . لم تسرد لي حلماً واحداً . ماذا ترى حين تغمض عينيك؟ ومخيلتك أين حبستها ؟ ) .. أين هي حريتك ؟ في قلبك ؟ أم في الطريق الذي سلكته في الحياة ؟ وحينما تغمض عينيك ماذا ترى؟ - الطريق لا يعطي الحرية انه يأخذ الإنسان نحو القمة أو السفح، نحو الصحراء أو الواحة. من هنا تكون الحرية دائماً وأبداً في القلب إلى ما لا نهاية إن نبضت خلاياه بالمحبة، نبضت النجوم والمجرات. هو بالنسبة لي أكثر رحابة من العقل المحاصر بالصراعات الحياتية المحدودة بالزمان والمكان، ثنائيات لا أول لها ولا آخر، خير وشر واسود وابيض وليل ونهار وفوق وتحت.أنا مع القلب وفي القلب وبالقلب. كل شيء في حوار دائم، لا يوجد فوق وتحت، لا يوجد خير وشر. كل هذا يوجد في العقل، فالليل ابن النهار والنهار ابن الليل، ولا يوجد فوق أو تحت. لا يوجد كبير وصغير. وأفضل لحظات الحرية التي أعيشها بصورة حقيقية، هي لحظات لذة الكتابة اشعر في هذه اللحظات إنني امتلك كل شيء. أقوم بهدم الكون وأعيد صياغته من جديد. أسافر أي منطقة من مناطق العالم. انزل النجوم واتركها تجلس معي في غرفة نومي أو أسير مع القمر فوق الساحل ونجلس في اقرب مقهى ونضحك على الماضي الذي لم يعد موجوداً إلا في تلافيف الذاكرة المثقوبة. ونقول للمستقبل لا تزعجنا بالوهم، وعليك القيام بحل مشاكلك القادمة بنفسك. نحن لا نملك إلا اللحظة الراهنة وما عدا ذلك فهو لا وجود له. لذلك عندما أغمض عيني أراني قطرة نور تتحرك في محيطات الأنوار، لا لكي أكون مختلفا عنها، إنما لأكون معها، أتلاشى فيها. من خسارات البحر خرج أبي متمتماً «هكذا هي الحياة» إنسان مائي * كائن عشب ونخيل ونبع وأحاديث ناس، كائن قريب من طبيعة الأرض، له خفة الريش وثقل "إيمان". ذلك هو الإنسان البحريني من أين لكم بكل تلك الطيبة والتلقائية والتصالح مع الأشياء؟ من أين لكم بكل هذا الدفء وتلك البساطة ؟ - في بحثي الدائم عن طبيعة الإنسان البحريني، اكتشفت إن الإنسان ابن البيئة بصورة حقيقية. فالبحريني الموجود في جزيرة هو إنسان مائي، كل حياته مرتبطة بالماء، والماء هو حياة كاملة. هي السلاسة والبساطة والإنسابية والتدفق والحركة قال سبحانه وتعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وهذا ينطبق على الحالة البحرينية انطباقا تاما. أيضا وجود البحرين كميناء والجميع يعرف إن الإنسان الذي يعيش في المدن المينائية يختلف عن الإنسان المعزول في الجبال أو في أعماق الصحراء. المينائي يحتاج دائما إلى أن يكون منفتحاً وبالتالي الطيبة التي تتكلمين عنها هي نتاج تاريخي لتحول العادات والتقاليد إلى سلوك يومي يقوم به الإنسان البحريني بصورة عفوية وتلقائية وبسيطة دون ادعاء بالطيبة، لأنها أصبحت موجودة في جيناته الوراثية. خجلت من نفسي عشرين عاماً بعد حكاية هذا الصديق عهود * لم يترك أبي بيته. كل شيء بقي ينتظره كالعادة عند العتبة. نظارته مقعده الخالي، فنجان قهوته، كذلك حذاؤه مازال عند الباب يشتاق لم يمت أبي . فكل شيء هنا يأتي به ويأخذ من أجله كل شيء.. حينما تتذكر وجه أبيك بماذا تشعر؟ وما الذي بقي معه معلق بك؟ وبماذا عاهدته؟ - كلما تذكرت والدي تذكرت البحر. تذكرت النارجيلة (الكدو) الذي ظل ملازماً له طول حياته, تذكرت وأنا أملأ الكدو بالماء. تذكرت الأدعية التي يرددها بالطبع في تلك الفترة لا اعرف ما يقوله، حينما كنا نجدف ونحن داخلين البحر لرمي شباك الصيد أو نحن عائدين، بعدة اسماك من (الكنعد) أو (الجم) أو صغار اسماك القرش (الناعوض واذكر أيضاً إننا اصطدنا في الليل أكثر من خمسين كيلو من سمك (الاجاواف) لحظتها شعرت إننا سوف نحصل على مبلغ محترم، ربما احصل على جزء منه لشراء الكتب التي أحب. حينما وصلنا إلى الساحل في الساعة العاشرة صباحاً، بعد أن جدفنا معا ضد التيار، واستأجرنا سيارة لنقل السمك إلى السوق. كان السوق حينها ممتلئاً بنفس هذا النوع من السمك. لم نحصل على أي مرود يذكر. حتى أن أجرة السيارة كانت أكثر كلفة من البيع. شعرت حينها بحزن والدي. لم ينزعج كثيرا. كان يشكر الله في كل الحالات وقال لي: هكذا هي الحياة. بقيت من والدي قناعته الدائمة. وهي تردد (ولان شكرتم لازيدنكم) وبقت قناعة الصبر وقناعة الزهد وقناعة العطاء دون حدود. عاهدت والدي طويلاً بأن ارفع اسمه عالياً وأكون له كما سماني في الولادة (علي) في رحلة الحياة إلى أن التقي معه في مكان ما من العالم الأخر. الشاعرة فتحية عجلان زوجة الشرقاوي العلاج غير المكلف * كتب الطاهر بن جولون ( أعطني القدرة على أن أنسى، أن أستنكر أن أرفض، أن أرد على الحقد بالحقد، أجعلني في مكان آخر أعلى علي أن أخرج ، لطفاً، من جسدي هذا الذي ماعاد يشبه جسداً، بل رزمة عظام مشوهة) كيف تتعامل مع من يضمر الحقد لك ؟ أتشعر بالألم حينما يسعى أحدهم في إيذائك؟ - أتعامل معه بحب. لأنه لا يعرف ما اعرف. من يضمر الحقد لي أو لشخص آخر. لا يملك الحب . وكما نقول دائماً( فاقد الشيء لا يعطيه ) هو محتاج ما يفتقد إليه، لذلك يضمر الشر للآخرين. وفي رحلتي الحياتية، التي تمتد على مساحة ستين سنة، اكتشفت أن الحب هو العلاج الوحيد، غير المكلف، لجميع الأمراض النفسية والعضوية. أن تحب معناه أن تفتح مسارات الطاقة في جسدك . أن تحب معناه أن ترى النور في الظلمة وترى الجمال في أقبح الأشياء وغالباً ما يأتي الأصدقاء ويقولون هناك من يشتم وسبك فأقول لهم بكل بساطة شكرا له فانه يعطيني حسنات ويأخذ السيئات, وأضيف إن الشجرة المثمرة هي التي تحصل على الكم الهائل من الأحجار. توقيع كتاب أحجار الماء مع الشاعر والفنان خالد الرويعي وأنا من الناس الذين يرون انه إذا كان الجميع معك ولا يوجد من يقف ضدك. فان هناك ثمة شيء خاطئ في حياتك. الإنسان الشاعر أو العاشق أو المتميز والمختلف لا بد أن يجد الكثيرين الذين لا يرضون به, وأيضاً إن نجاحك في تجربة ما من الممكن أن يوغر صدور الضعفاء منك. لنترك من يريد إيذاءنا، فهو سيؤذي نفسه في نهاية الأمر. ما حفر إنسان حفرة لأخيه إلا ووقع فيها. طفل الستين * نرفض أن يستغل أحدا ما طيبة قلوبنا، ولكن يبقى هناك من نقف أمامه كثيراً! نتحول معه إلى أطفال، نتحول من أجله إلى قلوب لا تشبع من الخضرة، نضعف أمامه. لأنه فقط من يلغي كل الخطوط الحمراء.. من الذي حينما تلتقيه تتحول معه ومن أجله إلى طفل؟ وأي المواقف التي تخشى فيها من الضعف والاستسلام؟ - أنا طفل في عمر الستين. لم أغادر طفولتي ومراهقتي أبدا. لذلك أراني أتحول إلى اصغر من أحفادي الصغار. أتحول مراهقاً من أصدقائي، طبعا المراهقة هنا هي النظرة إلى المستقبل المنبسط أمامي. أنا طفل في علاقاتي مع الناس محفورا بالمحبة لكل ما هو جميل ورائع وأنساني .لا أخشى الضعف أو الاستسلام ولكن أسوأ اللحظات التي أعيشها هي تلك اللحظات التي لا أتمكن فيها من مساعدة إنسان ما على الخروج من أزمة مالية يعيشها . أو غيرها وقد حدث أن طلب احد الأصدقاء مساعدة مالية. وهذا حدث منذ أكثر من عشرين سنة، وحتى هذه اللحظة اشعر بالخجل من نفسي لأنني لم أتمكن من مد يد المساعدة له. الشرارة الحي الذي عاش فيه الشرقاوي في طفولته * معك لاحتاج إلى الكلام ، فاللغة في عينيك، والحكايات اليومية تأتيني حينما تختلط أصابعك برائحتي كنا دائما كالقلم والورقة تكتب لأنك الحبر، وأتسع لأنني الورقة. إننا مثنى في كل شيء في البيت، في الشارع، والمقهى، حتى في الوحدة والوهم " كيف هو طعم الحياة حينما تكون زوجة المبدع " مبدعة " مثله ؟ متى يلتقيان ؟ ومتى ينعزلان ؟ -إنهما يلتقيان بالعيون دون الحاجة إلى الكلام، يلتقيان بالمشاعر دون الحاجة إلى الشرح. أن يكون هناك القلم والورقة فهذا لا يحتاج إلا إلى الشرارة التي بها يشعلان العالم بالمحبة و يحولان اليومي والعادي والمألوف إلى نهار مختلف ومتنوع وجمال الحياة يكمن في التنوع والمغاير والمختلف. القناع * من هو الصديق الذي لا تشبع منه؟ وكيف تتجاوز العلاقات المفخخة بالزيف والخذلان؟ - هناك العديد من الأصدقاء القريبين جداً من القلب معهم أكون أنا كما أنا، لا احتاج معهم لأن ألبس أي قناع اجتماعي. يعرفون داخلي من حركة عيوني. ورغم أن هناك من وضع الفخاخ أمامي، و جرعني شيئا من الخذلان. ولكن ثقي إنني لم اقطع أية علاقة مع احد الأصدقاء. عادة الآخرين هم من يبتعدون عن مكاني ومعروف أن مكتبتي هي ملتقى الأصدقاء وبيتي محطة للساهرين الحالمين. ولكن هناك مجموعة من الطارئين الذين يدخلون في حياتنا ثم يخرجون. السحر أحمد اليماني وأحمد راشد ثانٍ وعلي الشرقاوي ومحمد اليوسفي * غنى خالد الشيخ (أحب الناس في عيونك أمل يعطي الحزن معنى. ويعطي كل سهر عمري وكل شوق أمتلك صدري. وكل ما رجع قليبي نغم حزنه).. أحببت يوماً امرأة لأنها اختصرت جميع الكون في عينيها ؟ وإذا أشتعل قلبك حنينا لتلك العينين بماذا تواسيه؟ - هو مثل العودة إلى أماكن الطفولة. العودة إلى المتعة والامتلاء بالراحة النفسية. حينما تصادفني إشكالات ما من طبيعة الحياة، أعود إلى تلك اللحظات، أعيشها، أتذكرها بالصورة والصوت. أشم عبق الروائح التي لا تستطيع مغادرة الذاكرة . اشعر بدقات قلبي وأنا أتكلم أو أصغي. ارتفع في الهواء أو اهبط، احك على اللحظة أو أطير. أقوم بكل ذلك وأعود إلى اللحظة الراهنة وقلبي ممتلئاً بقوة تلك اللحظة التي أضاءت شيئاً في داخلي. الإنحناء لله * كتبت "رأيت مماتي قبل إبتداي، رأيت الذي لم أره في صباي. كل شيء هنا أنحنى وانحنى وانحنى. ماعداي ) ما الذي رأيته ولم يره سواك ؟ وما هو الشيء الذي بعد كل هذه الصلابة تحب أن تنحني له ومن أجله؟ - هل سبق لك أن دخلت اناك . قلبك، ذاتك. واندمجت بحلمك إلى درجة أن الآخرين لا يستطيعون التفريق بينكما. رأيتني، كما أراني دائما، في لحظة الكشف أو التجلي، إنني لست هذا الجسد، ولست هذا الكلام، ولست الذي يراه الآخرون. أنا شيء آخر. أنا روح قادمة من مكان لا يعرفه احد. استضافها جسد ما، في مكان ما، في زمان ما، ومن والدين محددين. لها مهمة وعليها انجاز هذه المهمة. أنا في هذه الحالة لست أنا. من هنا لا يمكن لهذه الروح تنحني . لا يمكنها أن تزول سواء كانت تعيش بين الناس، أو في عالم الأرواح التي ترانا ونحن على هذه الأرض المحددة. ومن هنا فإذا أرادت الروح أن تنحني. فليس هناك احد يستحق الانحناء سوى لله سبحانه وتعالى. أنا انحني لله. انحني لكل تجليات الله. انحني للمحبة، انحني للصغير. للفقير المحتاج إلى كسرة الخبز. للبحر . للسماء. لكل ما هو رائع وخير وإنساني فوق هذا الكوكب . انسحاب * ننسحب حينما لا يكون هناك شيئ يستدعي البقاء، وننسحب حينما يكون هناك اختلاف قيم، ننسحب حينما يغيب الصوت. ننسحب بكل ذلك القدر من الانعصار والتهشم. كيف هو شكل انسحابك؟ حينما تعلن انسحابك هل تفكر بمقدار مكاسبك وخساراتك بالقدر الكبير من الذكريات التي خلفتها خلفك؟ أم أنك تغمض عينيك وتمضي؟ - أنا دائماً انسحب من كل ما تقولين إلى الجانب الفاعل في الحياة. اعني إلى الفعل الفردي، انسحب إلى مشاريعي الفكرية والإبداعية. لا أفكر بالربح والخسارة . فالحياة التي صغتها لنفسي والأحلام التي احلم، هي ما سوف يبقى، كما أرى، بعد رحلتي الحياتية، أنا حديقة من المشاريع التي اشك بأنها تتوقف ما دامت هناك إمكانية لحركة القلب. دندنة * غنت أحلام (جيته ينوحي. فوق السطوحي . عقلي وروحي هالولد . آه ياسلمان . جيته بالدهريز . ينقش أباريز . فرخ المواليد عيني . مكحول لعيان) .. ألديك " سلمان " تحب أن تدندن له " يا ليل دانه ياسالم آه ياسلمان " ؟ أتنقش معه الأباريز ؟ وبماذا تعده دوما؟ - هذه الأغنية من أغاني التراث الشعبي التي طالما رددناها في طفولتنا وحين كتب راشد الجودر حلقة آه يا سلمان كنت جاهزاً للتعامل معها بصورة تحاول أن توصل المعنى الذي يحمله الفنان/ الفنانة وهو أن الحياة كلها مرتبطة بالباقي من الناس في هذه الدنيا وليس الراحل عنها, فالباقي كما نقول هو الابدى. سلمان الذي أريد أن أتنفس معه. هو الحلم الكوني . لذلك أدندن للحلم . حلمي .حلم أهلي . حلمي أصدقائي . حلم الوطن . حلم الإنسان . العزلة * أي الأوقات التي تختار فيها "عزلتك"؟ هل تدع القلب موارباً ليزورك فيها كل ما تحتفظ به ذاكرتك؟ أم أنك تنعزل حتى تعزل عنك كل ما عشته وما مر بك؟ - قبل النوم أحاول أن أتذكر ما مررت به في ساعات النهار. أبدأ في مسامحة نفسي على الأخطاء التي ارتكبتها. واطلب من أسأت إليهم مسامحتي. و أسامح من أساء لي . قبل النوم افتح قلبي على مساحات اكبر من المحبة. ربما من خلال الحلم الليلي أرى أقاليم لم ادخلها من قبل، أرى بلادا لم أزرها، واحصل على صور لم اكتشفها من قبل. النوم بالنسبة لي ورشة عمل أخرى لذلك لا استطيع القيام بانجاز مهام صعبة أن لم يعزلني النوم عن ما قبله. موت طفلي * ماهو السر الذي لم تقله يوما لأحد؟ - لم اقل لأحد، حتى لزوجتي، عن كيفية دفني لطفلي الذي مات في ولادته، ولا عن المشاعر التي عشتها في تلك اللحظات . واشك إنني سوف أقوله.