دائما ما تكون النقاشات الودية بين الأصدقاء سببا في إثارة بعض المواضيع التي تحفز على الكتابة والتدوين. في الأيام الماضية، ومع إتاحة الفرصة لأخذ الجرعة الثانية من اللقاح، كانت مسألة الخلط بين لقاحات مختلفة أشبه بورشة عمل مفتوحة، النقاش فيها متواصل، وكل طرف متعطش إلى خبر تسوقه هذه الوسيلة أو تلك، وحيث أنني من أولئك الذين خلطوا لقاحين مختلفين، كنت ومع الثقة التامة بما تتخذه وزارة الصحة من قرارات، والقناعة الراسخة بإجراءاتها، إلى إني أتابع الأخبار متابعة مؤمن يريد أن يطمئن قلبه. وفي أجواء الترقب والمتابعة لكل جديد، أطلت علينا وسائل الإعلام بخبر تسنده إلى وكالة رويترز مفاده أن خلط اللقاحات قد يؤدي إلى نوع من الفوضى، هذا الخبر الذي تم تصحيحه لاحقا، وأنه فهم بشكل خاطئ كان له النصيب الأوفى من النقاش والمداولة، وهذا أمر طبيعي لكن الذي يلفت الانتباه ويدعو للغرابة، هو أن الذين يشككون فيما تنقله وسائل الإعلام من سلامة ومأمونية استخدام أكثر من لقاح في التطعيم، هم أنفسهم الذين يطيرون فرحا بأي خبر نقيض لذلك تذيعه نفس تلك الوسائل والمنصات التي أشبعوها نقدا وتكذيبا. رغم كل ما تقوم به وسائل الإعلام ومنسوبوها، والصحافة على وجه الخصوص، من مجهودات تذكر فتشكر، من البحث عن المعلومة وتقديمها للمتلقي، الأمر الذي كلف الكثير من الصحفيين حياتهم وحريتهم وصحتهم في مناسبات كثيرة، ورغم الاجتهاد في تحري الدقة والمصداقية والمهنية في الأغلب، إضافة اعتماد الغالبية عليها في الحصول على الخبر والمعلومة حتى من أولئك الناقمين عليها والمتهمين إياها، إلا أن الغالبية أيضا تتعامل مع ما تذيعه وسائل الإعلام بانتقائية وتحيز، حيث يعتمد تصديق المادة المنشورة والاعتماد عليها على مدى موافقتها لما أعتقده وأتبناه، فإن وافقت توجهاتي، فالمادة صحيحة موثوقة، وإلا كان الحديث كما يعبر عنه «كلام جرايد». ليس المقصود مما تقدم أن ما تطرح الصحف ووسائل الإعلام صحيح موثوق كله، بل هو مثل غيره، منه ما هو عذب سائغ شرابه، ومنه ما هو ملح أجاج، غير أن التعامل معه يجب أن يكون وفق منطق الصحة والدقة لا من منظور الموافقة والتماهي. أزعم أن الصحافة التي تقدم لنا وعلى مدار الساعة المعلومة، خبرا كانت أو غيره وكثير ما كنا نتقاسم صفحات العدد، واليوم نتحلق حول التلفاز للحصول على الجديد أزعم أنها تستحق منا قدرا أكبر من التقدير أو في أقل الأحوال الإنصاف. يكفي صحابة الجلالة هما أن تطفل على بلاطها من لا علاقة له بها، فلكم من سائس أعد نفسه خيالا، فلا تكونوا أنتم وهو عليها.