مسألتان أريد إثارتهما في هذه العجالة، أما الأولى فذات علاقة بالمتحدثين الرسميين بالجهات الحكومية، فهؤلاء أوكلت اليهم مهمة تزويد الصحفيين بكل جديد عن كل دائرة، وهم مخولون بالاجابة عن أي تساؤل قد يطرحه رجالات الصحافة يختص بإداراتهم وجهاتهم، وأظن أن هذه الطريقة صائبة للغاية حيث يتفرغ المسؤولون لأعمالهم دون اقتطاع أي وقت قد يطول أو يقصر مع الصحفيين وأسئلتهم. وليس هذا بيت القصيد، وانما أردت بهذه الديباجة أن أتساءل عن الأسباب الجوهرية التي تدفع المسؤولين عن الصمت ازاء ما يثيره كتاب الرأي في الصحف عن أي تقصير في أي دائرة أو جهة، وهذا الصمت لا أجد له تفسيرا، وازاء ذلك قد تصح المقولة الشهيرة بأن ما يكتب في الصحف هو «كلام جرايد» لأن ما يكتبه أولئك لا يلمس اهتمام المسؤولين فيردون على الكتاب بردود مناسبة وشافية. ازاء ذلك أقول بأن المتحدثين الرسميين لابد أن تسند اليهم مهمات جديدة تضاف الى مهماتهم، وهي الرد المباشرعلى كتاب الرأي حين يثيرون أي مسألة تتعلق بأي تقصير قد يطرأ في أي دائرة أو جهة حكومية، فتزويد المسؤولين لهؤلاء المتحدثين بالمعلومات الصائبة والصحيحة والموثوقة قد تكفي، فلا يلام أي مسؤول إن لاذ بالصمت وأحجم عن الرد على مقال أي كاتب، فالمتحدث الرسمي يقوم مقامه في هذه الحالة. وللأسف الشديد ان الكثير من الملاحظات التي يثيرها كتاب الرأي في الصحف المحلية عن سلسلة من المثالب والعيوب المصاحبة لكثير من المشروعات لا يتصدى لها المسؤولون للرد عليها، ولا يتصدى لها المتحدثون الرسميون كذلك، وهذا ما يدفع الكتاب قبل القراء للدخول في دائرة اليأس، فيدير القراء على وجه الخصوص الاسطوانة الشهيرة أو المقولة الشهيرة بأن ما يكتبه الكتاب في صحفهم انما هو زوبعة في فنجان أو هو كما يزعمون «كلام جرايد». وتلك مقولة صادقة ان لم يتجاوب المسؤول أو المتحدث الرسمي عن كل الملاحظات والمثالب والعيوب التي يطرحها بعض كتاب الرأي في صحفهم، فالتصدي للرد عليها أمر واجب وضروري حتى يمكن وضع النقاط على حروفها والأمور في نصابها، فالكاتب يطمح في العثور على صدى لما يكتب، والتجاوب معه لا يصب في مصلحته أو مصلحة جريدته فحسب، وانما يصب في المصلحة الوطنية أولا وأخيرا. أما المسألة الثانية التي أود طرحها هنا فذات علاقة بما أقرأه في اصداراتنا المحلية يومية أو أسبوعية أو شهرية حول امكانية انشاء دور للسينما في مناطق ومحافظات ومدن المملكة، وقد صدع أولئك الكتاب رؤوسنا وهم يكتبون عن هذه المسألة التي لا أهمية لها كما أظن، ولا جدوى منها، فهم يعلمون قبل غيرهم أن دور السينما في دول العالم كلها تشكو من الكساد. والسبب كما يعلمون ولا يجهلون أو يتجاهلون هو غزو الوسائل الاتصالية بما فيها الشبكة العنكبوتية التي أدت الى ذلك الكساد، فما ان يعلن عن انتاج فيلم سينمائي بعد اخراجه والاقدام على عرضه الا ويلتقطه المهتمون بملاحقة الأفلام السينمائية بسرعة مذهلة عبر تلك الوسائل الاتصالية، وقد يعرض أي فيلم جديد عبر تلك الوسائل وعبر تلك الشبكة قبل عرضه في دار من دور السينما. وازاء ذلك فإنني أرى أن التركيز على مسألة انشاء دور للسينما بالمملكة أمر لا قيمة له ولا أهمية له، فوسائل الاتصال أضحت في جيوب الجميع، وغزت أجهزة الإنترنت كل بيت. من جانب آخر، لماذا يجشم المرء نفسه المتاعب فيرتدي أجمل ثوب ويتعطر بأندر عطر ويمتطي سيارته ويحجز له تذكرة ثم - يتسمر - على أحد مقاعد السينما لساعات ليشاهد فيلما سينمائيا أو أكثر، في الوقت الذي بإمكانه مشاهدة هذا الفيلم وهو مستلق على أريكته في منزله يحتسي أكواب الشاي أو القهوة؟ ولهذا أقول بأن هذه المقالات التي تنشر بين حين وحين حول المطالبة بإنشاء دور للسينما بالمملكة لا جدوى منها ولا فائدة، فمثل هذه المشروعات أضحت فاشلة تماما، ويعترف بذلك أصحابها في دول الشرق والغرب، فهي لا تكاد في الوقت الراهن تغطي مصروفاتها بسبب انصراف الناس عنها، ولا أظن أن رجالات المال والأعمال لدينا قد يقدمون على مثل هذه المشروعات؛ فإيراداتها لن تغطي مصروفاتها، ولو طرحت لمعرفة جدواها الاقتصادية لأحجم الجميع عن مجرد التفكير في انشائها.