في برومو أحد المسلسلات التي عرضت في رمضان، كانت هناك لقطة معبرة، حيث تجلس سيدة ما تحدث مذيعاً شهيراً عن خطتها لإنجاح برنامجه الذي تقترح عليه إطلاقه، والخطة عبارة عن بدء البرنامج ب"حلقة قوية وجريئة" تكون سبباً في إيقاف البرنامج ومنع ظهور المذيع على الفضائيات، وهو ما اعتبرته أول طريق النجاح..! في مقالٍ سابق كنت قد ناقشت قضية مدى صوابية حكم جمهور الشبكات الاجتماعية على الأعمال المقدمة في الموسم الرمضاني، وانتهيت إلى أن رأي الجمهور حتى ولو كان الأغلبية لا يعني أنه الرأي الصحيح بالضرورة. وهذه القضية تستتبع قضية أخرى علينا مناقشتها بجدية وجرأة، وهي مسألة اعتبار إثارة الجدل - حتى ولو كان سلبياً - المقياس الرئيس للنجاح وأول طريق الشهرة ودخول مجال الإعلام تحديداً. فكثيراً ما نرى هذه الأيام، بعض الممثلين والمخرجين والمؤلفين ومقدمي البرامج يحتفون بالجدل الدائر حول أعمالهم، باعتباره مؤشراً على النجاح، دون النظر إلى مضمون هذا النقاش وفي أي اتجاه يسير هذا الجدل..! هذا المعيار الوهمي للنجاح، أشبه بمقياس أعداد المشاهدات الذي يعتبره البعض دليلاً كافياً على نجاح الفيديوهات التي تنشر على يوتيوب، فكلما زادت أعداد المشاهدات اعتبروا أن الفيديو ناجح وأن مضمونه ومحتواه هو النوعية التي يجب تقديمها لاحقاً لضمان استمرار هذا النجاح المتوهم. الحق أن إثارة الجدل لم ولن تكن يوماً مقياساً للنجاح، بل إني لا أذهب بعيداً إذا قلت إن من يعتبرون إثارتهم للجدل وتحقيقهم للمشاهدات العالية دليلاً على نجاحهم وتفوقهم، هم فقط ضعاف الموهبة ومحدودي الإمكانات، الذين يعرفون جيداً أنهم لا يملكون المقومات التي تساعدهم على المنافسة، فلا يجدون شيئاً يدارون به ضعفهم وفشلهم سوى ادعاء نجاح زائف اعتماداً على ما يثيرون من جلبة وصخب..! ولكن الأمر لا يتوقف فقط عند هذا الحد، فهذه الظاهرة التي تهدد جودة المحتوى الإعلامي المقدم على فضائياتنا العربية، تستفحل مع الوقت، حتى بات البعض يركز على إثارة الجدل وكيف يمكن أن يدفع المشاهدين للحديث عنه حتى ولو كان بالسلب والنقد والهجوم، على حساب تركيزه على مضمون العمل وجودته الحقيقية وما يقدمه من رسالة إعلامية يفترض فيها السمو والرقي..! في النهاية، أقول لمن يلهثون وراء "الترند"، انظروا إلى الأعمال التي سبقتكم خلال الأعوام الماضية وكانت ملء السمع والبصر ولا تتوقف عن إثارة الجدل والنقاشات يومياً، أين ذهبت الآن..؟ ولماذا لم تعد تعرضها الفضائيات..؟ بينما تعرض أعمالا أخرى كتب لها الصمود وبقيت في وجدان المشاهدين رغم أنها لم تحدث أي جدل عند عرضها للمرة الأولى..؟ إن المحتوى والمضمون والرسالة سيظلون دائماً هم معيار النجاح مهما اختلف القالب ومهما تنوعت الأشكال، والحكم دائماً للتاريخ.