يتضاعف توتر العلاقة بين مقدمي برامج «التوك شو» في الفضائيات المصرية وملاّكها من رجال الأعمال في الفترة الأخيرة، ولم يكن غريباً استبعاد مذيع كل فترة من إحدى الفضائيات مثلما حدث مع عبدالرحيم علي وقطع الهواء عنه وحجب برنامجه من خريطة برامج «القاهرة والناس»، وكذلك وقف برنامج «حزب الكنبة» لنائلة عمارة وغياب عدد من الإعلاميين من شاشة «المحور» بعد إنهاء التعاقد معهم مثل أسامة منير وهالة سرحان ومعتز عبدالفتاح. أمام هذا الواقع، دارت تساؤلات في الوسط الإعلامي المصري عن توجهات المحطات الفضائية ودور أصحاب رأس المال والشركات الإعلانية في وضع السياسة التحريرية لبرامج «التوك شو»، وأيضاً دور هذه البرامج في الفترة الصعبة التي تعيشها مصر. «الحياة» نقلت هذه التساؤلات الى أهل الاختصاص الذين تفاوتت آراؤهم. يقول الخبير الإعلامي سامي عبدالعزيز: «حينما تغيب الأسس والمعايير المتفق عليها، فلا تسأل عما تراه من غرائب، فحين يتعاقد إعلامي ما مع محطة فضائية في مصر، هناك تعاقد واحد يربط بينهما وهو الذي يحدد وينظم الأمور المالية بين الطرفين فقط، أما في المحطات الفضائية الموجودة في دول العالم الغربي فيكون هناك دليل للعمل والسياسة التحريرية، يوضح هويتها وشخصيتها وما ينبغي أن يقال وما يجب ألا يقال. وفي الخارج هناك دائماً فصل بين الملكية والإدارة في العمل الإعلامي، وهذا ليس متحققاً في مصر إلا في أضيق الحدود. وإذا أُعلن ذلك، فالواقع غير حقيقي كنوع من الترويج المخادع لحياد المحطة. كما هناك في مصر محطات فضائية قد تتعاقد مع إعلامي لغرض معيّن أو لأهداف خاصة أو لإحداث سبق ما ولفترة محددة، وهذا أيضاً غير موجود في الغرب، لأن على أي فضائية أن تأتي بالمذيع الذي يتفق مع توجهها السياسي وأيديولوجيتها وأجندتها». ويرى أستاذ الإعلام عدلي رضا ان «رأس المال يتدخل في شكل كبير في مضمون وسياسات الرسالة الإعلامية وطريقة عمل من يقومون بها، سواء كانوا مذيعين أو صحافيين وأن لا بد من أن يكون هناك فصل لرأس المال عن العمل الإعلامي حتى تكون هناك مهنية». ويقول: «أصحاب الفضائيات المصرية يتدخلون في كل شيء وغالبيتهم تركز على استقطاب الإعلانات فقط من دون الاهتمام بالمضمون، كما أن كثيراً منهم يغّلبون مصالحهم الشخصية وليست لديهم رؤية أو استراتيجية لمستقبل الوطن في النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية، ورأس المال يجب أن يبتعد عن التدخل في المضمون لأنه يفسده ويشكل وجدان المشاهدين على نحو خاطئ، ويحول المذيع إلى آلة تتحدث بلسان صاحب القناة ولو فكر وخالف توجهاته سيكون مصيره حجب برنامجه من على الشاشة واستبداله بمذيع آخر». وأكدت المذيعة هبة الأباصيري أن هناك ضرورة لضبط العمل الإعلامي والتوازن بين مصلحة ملاّك الفضائيات ورغبتهم في تحقيق المكسب المادي أو على الأقل تعويض نفقات إنتاجهم البرامجي والدرامي وبين محتوى ما يقدم على الشاشة، «لأن المشاهد يحتاج إلى إعلام موضوعي مهني، وهذا متواجد في بعض الفضائيات المصرية وغائب عن بعضها الآخر، والجمهور هو الفيصل في تحديد إستمرارية أي فضائية أو برنامج لأنه لا يجامل ورأيه دائماً حيادي. كما أنه لا يستطيع أحد إنكار دور الشركات الإعلانية المتعاقدة مع الفضائيات المصرية في دعمها بالمال اللازم لاستمراريتها، ولكن لا بد ألا يؤثر الإعلان في الإعلام في شكل سلبي، وأن يكون هناك تكامل بينهما من أجل مصلحة المشاهد». الصحافي أحمد أيوب رئيس تحرير برنامج «صوت الناس» على قناة «المحور»، يرى أن الإعلام ليس دوره اللعب على المتناقضات ولا اختلاق المعارك، خصوصاً في الفترات المفصلية والحاسمة من عمر الوطن، بل من المفترض أن يكون في هذا الظرف التاريخي لمصر في مقدم من يتحملون المسؤولية الوطنية تجاه دولتهم، ويقومون بدورهم في تغيير ثقافة المجتمع وبث الروح الإيجابية، وتشجيع الفكر المعتدل والبحث عن أصحاب الأفكار التي تساهم في بناء مصر». ويضيف: «ظهرت هذه النوعية من البرامج وهذه الفئة من المذيعين في فترة اتسمت بالعشوائية في كل شيء، كما كانت فترة تتميز بالغضب الشعبي بفعل الظلم الاجتماعي والقهر السياسي، بالتالي لم يكن غريباً ان تسيطر العشوائية أيضاً على الإعلام، حيث يستغل بعضهم حالة الاحتقان لينسج عليها برامج يمكن وصفها بالعنيفة. ولأن العشوائية كانت مسيطرة ونتيجة عدم وجود معايير تحكم الأداء الإعلامي، بل والمجتمعي في شكل عام كان طبيعياً أن كثراً من ملاّك القنوات وكثراً من مقدمي البرامج يفعلون ما يحلو لهم بلا رقيب ولا حسيب ويفرضون على المشاهد المصري وجبات إعلامية لم يخترها ولم يعتدها، لكنها إجبارية. وعلى رغم محاولات بعض أصحاب المبادئ من ملاّك الفضائيات وبعض المتعقلين من المذيعين للتعامل بمهنية وموضوعية، إلا أنهم لم يتمكنوا من فرض إرادتهم أمام غلبة المزايدين والمتاجرين». ويشير أيوب الى أن فكر «التوك شو» المصري نفسه يحتاج إلى مراجعة وإعادة تقويم وتجديد يتماشى مع الظروف السياسية والاقتصادية كي يحافظ على ما بقي من قيم ظلت صامدة طوال السنوات الماضية.