عندما كان هناك ما يُسمى بصناعة الإعلاميين «النجوم» كانت هناك طقوس لصناعتهم، فلكي تخرج ببرنامج مهم عليك البدء بالمذيع، عليك أن تهيئ له كل الظروف حتى يبدع، بدءاً من فريق الإعداد، مروراً بظروف التصوير المتكاملة، وانتهاءً بالصورة الجميلة التي يخرج بها.. طقوس لم تعد موجودة اليوم، ولذلك لم يعد هناك جيل جديد من نجوم الإعلام الشباب! «الريتينغ» هو الحكم الأول للفرصة، وليست الموهبة كما كان يحدث عندما كان الميزان صائباً، «الريتينغ» الذي تبدأ به قائمة الأسئلة عندما يفكر أحد الموهوبين بحق أن يقدم فكرة برنامج، قبل أن يُسأل عن الفكرة أو مدى أهليته لطرحها، سيُسأل السؤال الأشهر: «كم نسبة المشاهدة التي تستطيع تحقيقها»؟! عبء جديد تم رمي مسؤوليته بالكامل على المذيعين الذين ليس لهم أي علاقة به، بدلاً من أن تسخر الفضائيات طاقاتها لجذب المعلنين بتقديم برامج ذات محتوى مدروس وجيد، أصبحت تنتظر من المذيع أن يقوم بكل شيء وينسى الاهتمام بعمله الرئيس، وهو محتوى برنامجه. قبل عدة أسابيع ظهرت الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات لتتحدث عن الأمر، وافقها الأغلبية على رأيها وكأنهم كانوا ينتظرون من يتحدث عن هذه الحقيقة بصوت عال، حيث تحدثت عن عبء «الريتينغ» الذي يتم إثقال المذيعين به عندما يأتي المذيع محملاً بالأفكار فيتلقف التحذير الأول: «إن لم يحقق البرنامج نسب مشاهدة جيدة سنقوم بإيقافه» بدلاً من أن يُقال: «إن لم يقدم برنامجك محتوىً جيداً فسيتم إيقافه»! يعتقد المتابع أن دور المذيع يتمثل في تقديم برنامج جيد، والحقيقة أن دور المذيع البحث عن موضوع مثير، وراعٍ سخي، بينما تأتي كل الأمور الأخرى بما في ذلك «المحتوى» في المرتبة الثانية، وهو ما يفسر نجاح أصحاب الأرقام في الاستيلاء على المنصات التلفزيونية متحصنين بأرقامهم التي تمكنهم من تخطي سؤال «الريتينغ» بنجاح، بينما يُقصى من يملك المحتوى والقدرات وكل هذه الأمور الثانوية بحسابات اليوم. يغيب عن أهم الشاشات اليوم البرامج العميقة والمذيعون الماهرون والسبب غياب أقسام التسويق والعلاقات العامة المحترفة عن تلك المحطات، والتي استبدلت وجودهم بوجود من يسوقون للأرقام وليس للفكرة أو المحتوى، فالمحطات حالياً لا تسوق للبرنامج القوي بمحتواه وخبرة أو مهارات مقدمه، بل للبرنامج القادر على إثارة أكبر قدر من الجدل، ما يفسر غياب الإبداع، وهجرة المشاهد للتلفزيون.