الفن وسيلة للحوار من خلال ما يقدمه الفنان من رسائل بصرية تحمل لغة تعبيرية تتجاوز حدود اللغات برؤية جديدة، والفن يجعل الفنان يتواصل مع كل ما يحيط به من مواد وخامات ويضفي طابعا حسيا ورؤى جمالية تنتهي بفكرة إبداعية وخطاب جمالي مشحون برموز وإشارات وصراعات يستقي موضوعاتها من حوله فيستقبل المتذوق شحناته الجمالية ويتعايش معها ويتواصل مع طرح الفنان وخطابه التشكيلي. ويأتي تشكيل الحديد من الفنون المعتمدة على جهد عضلي وحرارة عالية بالإضافة إلى مروره بمراحل الطَّرق والتسخين والتلحيم إلا أن المتأمل لأعمال الفنان صديق واصل المجسمة يجدها تختصر مفاهيم إبداعية وتختزل معاناة إنسانية وتعكس دراسة واعية لمنجزه الفني بمواد معدنية موجودة حوله يرى فيها نظما شكلية قريبة من المعطيات البنائية لأعماله وقيم تعبيرية وطاقة كامنة تحفز مخيلة الفنان للبدء في تجربة فنية حديثة فاتجه إلى خامات البيئة و(الخردة) بقايا الحديد وحطام السيارات والمسامير والصواميل والتروس والعلب المعدنية والأسياخ وانتقاء بعض منها وتطويعها وإعادة تشكيلها في تجارب متعددة لتتحول من قطع مهملة إلى قيمة فنية ومعاني إنسانية برؤى فكرية وجمالية في تركيبات تحمل التراكم التاريخي والأثر الجمالي. خروج نحو الحياة فتظهر مواد وخامات معدنية ثلاثية الأبعاد يشكلها على هيئة إنسان ودلة وأيادٍ تمتد لتثبت الذات والقدرات تحاول تجاوز الصعاب يمنحها رمزا للحضور الإنساني ودلالاته الإنتاجية ولذاتيته كفنان يميل إلى حياة متجددة فاليد هنا القوة فهي تعمل وتصنع وتكتب وتتحرك، وتظهر انفعالاته في الانحناءات العاطفية للخامة المعدنية فتخرج بتلقائية وعفوية نحو الحياة والوجود فتمتد من كتله الصلبة الإنسانية أسياخ صدئة تنعكس عليها تحولات الزمن بخطوط لينة متشابكة مرنة ثرية بالحركة تحمل انفعالاته الكامنة وأسراره فتنمو وتتشعب تقاوم الظروف والعقبات لا تستسلم بل يمنحها حياة جديدة مستمرة تنمو وتتجدد كجذور مغروسة في الجسد الإنساني لا تنفصل عنه فالإنسان لا يستطيع أن ينفصل عن تاريخه وعمن حوله مستفيدا ممن حوله لإبراز طاقاته الإبداعية وبناء خبرات جديدة. أقنعة مزيفة تتجسد في كتلهِ المعدنية ملامح إنسانية تنبض بقوة تبعث رسائل تعبيرية تتفلت من قيودها الواقعية لوجوه آدمية تمهد لتجريد خالص تفتح أمامنا بوابات للتفكير وتحفزنا للبحث عن معانٍ وحوار مع مفرداته التي بدت كأقنعة مزيفة يختبئ داخلها المعدن الحقيقي للإنسان بتكوينات غير مألوفة لخامات معدنية مستهلكة تتميز بالجرأة والتنوع ودقة التوظيف وصياغتها بصورة جديدة يجعل منها مادة حية تتعايش مع بعض فتظهر قيما رمزية وملمسية جديدة باستخدام تقنية (التلحيم) وهذا يتطلب خبرة خاصة ومهارة عالية. بحيث تتقارب الكتل المعدنية وتلتحم فتظهر مجسمات جمالية مغلفة بقيم تعبيرية متناقضة توحي بالفرح والحزن والتردد والخوف إنها خطابات بصرية لا يتقيد فيها بالواقع بقدر ما يمنح الواقع رؤية جديدة. التفافات خطية في آرت دبي ويقودنا واصل لنسق جديد وخطابات أكثر رمزية وتعبيرية وحوارات داخل العمل نفسه في مجسمه المعدني التركيبي الثلاثي الأبعاد الممتد بشكل أفقي المشارك به في (آرت دبي في نسخته ال14) في دوامة خطية معدنية والتفافات متشابكة ذات زوايا حادة بسمات معاصرة بعد مراحل متعددة من التخطيط والتحضير والتركيب والتلحيم والرش اللوني المتجدد تمتاز بفراغ تجويفي وحركة خطية لأشكال مفرغة ملتفة بمسارات متشابكة يرصد حراكها مرور لحظات زمنية من حياة الإنسان في زمن يكتظ بالأحداث والتطور والمستجدات الحديثة في عالمنا المعاصر وقد تعكس الحضور الغائب للإنسان بمشاعره المكبوتة وغير المستقرة وتعكس في جانب آخر مفهوم اللا نهائية فكل نقطة نهاية لا تجعلنا نغادر مجسمه التركيبي بل هي نقطة انطلاق وبداية جديدة، مستثمرا اللون الأزرق ودلالاته على إحداث إيقاعات لا نهائية ليحتفي بالشكل واللون معا والتي نراها كنوع من التلقي الجمالي لذلك الأثر الانفعالي المنفرد بخطاب جمالي مشبع بالقيم التعبيرية. *كاتبة متخصصة في الفنون من أعمال صديق واصل