يمضي الفنان التشكيلي الشاب باسم الشرقي في تجربته الإبداعية بخطى حثيثة، متجهاً نحو اكتشاف المزيد من جماليات خطه الفني، الذي اختاره قبل سنوات عدة في الفن الشعبي الحديث «البوب آرت»، وما يعرضه حالياً في «أتيليه جدة» بعنوان «مزاج» (Mood)، وافتتحه الفنان المخضرم طه صبان، بصحبة جمع من فناني جدة ومتذوقيها، يشي باشتغاله الدؤوب على هذا المنحى، ليؤكد اتضاح ملامح شخصيته الفنية وأسلوبه التشكيلي. المعرض ضم 31 عملاً بقياسات تتراوح بين الكبير والمتوسط، منها 15 عملاً جديداً نفذها خلال عام 2009، و16 عملاً كان أنجزها سنة 2008 وعرضها في دبي في مارس (آذار) الماضي في صالة «آرت أتاك» ولفتت حينذاك انتباه النقاد والجماهير هناك، لاسيما أنه يعدّ من الفنانين الخليجيين القلائل المنتهجين لهذا الأسلوب المميز بالتقاط الهامشي والعابر من لغة الشارع والإعلانات التجارية والموجودات الاستهلاكية، وتوظيف الغرافيكس والسلك سكرين والكولاج المتعدد الخامات والتصوير الرقمي الإبداعي والطباعة الاحترافية، في تشكيلها ضمن أُطر متشابكة ترصد كولاج الحياة كشريك بصري في المعاش اليومي، بما يكوّن مؤثرات بيئية يعيشها الفنان والإنسان المعاصر على حد سواء. غير أن فكرة التكرار الشكلي المعتمدة في مواضيع الشرقي، التي تحرّاها بعناية، مستوحاة من البيئة الغربية بكل تفصيلاتها وتنويعاتها الدلالية المتباينة في كتلِها وألوانها. ففي لوحة «الموناليزا»، على سبيل المثال، يتضح ذلك بجلاء، ثم في اللوحات المرتكزة على الحرف اللاتيني، ومكونات ثقافة الشارع الغربي الداخلة في حيّز العولمة يقترب من أعمال الأميركي «روبرت روشينبرغ» الخارجة من اتجاهات ما بعد الحداثة. ولا يخفى أن التقاء أسلوب باسم الشرقي مع أسلوب مؤسس فن البوب آرت الفنان الأميركي العالمي الراحل «آندي وارهول» (Andy Warhol)، يعد من حتميات التأثر الفني، إذ نفّذ وارهول نماذج فنية وكرر وضعها مراراً وتكراراً في العمل نفسه، ليثبت رصانة الفكرة الجمالية للشكل، ومع ذلك فإن الإضافات التي تميزت بها لوحات الشرقي المنتجة في 2009، تعد إضافات جريئة ومبشّرة بنضج فنان سعودي يشتغل على فن «البوب» من منظور عربي مشرقي ممزوج مع الغربي في تناغم يلفت إلى انصهار الثقافات. فاشتغاله على الخط والحرف العربي في لوحة «التاج»، مثلاً، وما حوته من جمالية أخاذة، وأيضاً مجموعة لوحات أم كلثوم وسعاد حسني - المتماهية مع لوحة «جاكي الحمراء» لوار هول - وما ضمته من مكونات البيئة الشعبية العربية، «الأرجيلة مثلاً» وغيرها من الأعمال في هذا الاتجاه توضح انتباه الشرقي نحو تعريب لغته ودمجها مع اللغة الغربية المرجح تلاشيها في أعماله المقبلة، أو هكذا يتوقع المتذوقون الذين حضروا المعرض، بل إنهم يذهبون إلى القول: بأنه أجاد هنا والأجدر به الالتفات نحو بيئته السعودية الحجازية، سواء بشارعها الشعبي أم عمارتها القديمة أم بحراكها الإنساني المميز، وكذلك الالتفات إلى الآداب والحكايا والموروثات التقليدية المسكوت عنها تشكيلياً، ناهيك عن الفنون الشعبية التعبيرية التي يمكن أن تُنتج أعمالاً من وحيها بتقنيات فنية جديدة تنهل من ثقافة الحارة بثرائها الكولاجي الكبير.