الوسائل التواصلية كمنتجات حديثة ووسائط متجددة.. لا تتوقف عند حد، وتتنقل، وتتبدل، وتتغير بين الشكل والمضمون بطريقة تلهث خلفها العقول، وتتعب القلوب، وترهق الحواس حيث شكلت مظاهر تقنية ساحرة، ومحتوى باهرا، ومواد جاذبة أسهمت في دفع عجلة الإثارة نحو المفروض والمرفوض إعلاميا، اجتماعيا إنسانيا، ثقافيا، والأهم فكريا. ذلك أنتج تحولات ومتغيرات في واقع الفهم والسلوك الاتصالي، لدى كل متلق لما تطرحه تلك الوسائل. هذه المتغيرات المثيرة شكلت مأزقا كبيرا في التعاطي الفردي والمجتمعي للمحتوى في تلك الوسائط وحتى لشكلها، فكان الجدل واللغط حول الجدوى والمنفعة، والإيجاب والسلب، والحسنة والسيئة. تلك الوسائل الجديدة سمحت لفئات عمرية وشرائح مجتمعية -لم تسمح لها الوسائل التقليدية- سمحت لهم بالمشاركة واقتحام المحتوى في تلك المنتجات بل شكلوا من أنفسهم سلطة سادسة يمكن ان توصل الشيء الكثير، وان تصنع تحولا في مسألة ما، أو حتى تدعم تعبئة ما باتجاه أي مشهد حاضر. ومن جهة أخرى سلبت من فئات كانت تتغذى وتتعاطى مع الوسائل الإعلامية التقليدية سلبت منهم القدرة على التفاعل مع المحتوى وقبول مرونته، وتكثفه، ومتغيراته فكان هناك بون شاسع بين المتلقي الجديد والمتلقي التقليدي ما أحدث مساحة للتردد، والتوقف، والانزعاج من تلك الوسائل ومحتواها. الكلوب هاوس؛ هذا المنتج التواصلي الذي بني على غرف دردشة فشهد إقبالا مثيرا كونه وسيلة طارئة تم التسويق لها بشكل مكثف فحصد "زبائن" بطريقة متزاحمة.. فغصت تلك الغرف بفوضى الإنشاء، وعشوائية العنونة، وشتات الموضوعات.. فاختلف البعض فيما بينهم بقبول هذا المنتج ومضمونه وأسلوبه، والبعض الآخر بالرفض والإمقات.. وتسارعت الأحكام حوله، ومحاكمته على عجل كعادة جمهور المستخدمين، وكديدن الواقع التواصلي ومنتجاته. البعض استطاع أن يعيد همة نفسه من خلال هذه الغرف خصوصا من يميل للكلام والصوت، ويحب "الحكي" وتثقل عليه كتابة النص في تويتر أو غيره وشعر بعضهم بشغف لإنشاء غرف وتجميع أصدقاء ومجالسين، وفتح موضوعات للنقاش والجدل.. وتباينت قيمة، وتفاوتت جودة كل موضوع في غرفة ما.. وابرزت لنا موضوعات عجيبة وغريبة، مقبولة ومرفوضة، فارغة ومعتبرة، تافهة وقيمة، ثقيلة وخفيفة، جادة وهزلية. وبالطبع لم يكن لتلك الغرف أي ضوابط أو أدبيات حقيقية يمكن أن تحكم المشاركة أو الأداء حيث اعتمدت على العشوائية والانتقائية والمحسوبية وتقوم على مزاجية وخيارات مؤسس الغرفة ما بين فتحها ودعوة من يشاء ورفض من يريد، واختيار موضوعات تناسب هواه، أو تخدم ميوله. وفي إطار نظرية انتشار المستحدثات تمثلت بعض مفاهيمها بين المبادرين والمترددين فبرز أن هناك ترددا لبعض الجادين أو المؤسسات أو الجهات المحسوبة والمسؤولة للدخول في تجربة هذا التطبيق المستجد فتركت المساحة للعامة بخصوص، وللخاصة بعموم.. وينتظر الكثير ما تنتجه حالة التمخض ومايسفر عنه من رؤى ونتائج ومخرجات يمكن أن تقنع المترددين. ختام القول: جدلية الوسائل التواصلية ومضامينها الجدلية ينبع من الاختلالات التي أحدثتها في خارطة المهنية الإعلامية، وتضاريس الفنون التقليدية، ومساحات المتغيرات الجريئة، والسماح بدخول فئات حرة ومختلفة.. ويبقى الحكم على هذا التطبيق يجب أن ينطلق من الوعي العميق ومحاكمة المحتوى وليس الوسيلة فكل وسيلة بما فيها ستنضح فإن أردنا خيرا لنتبناه ونبرزه ونختاره ونجعله فرصة لإظهار الجميل والعكس صحيح.