كتب الطبيب النفسي "سيغموند فرويد" مؤسس مدرسة التحليل النفسي في العام 1916 "أجمعت مراكز الطب النفسي على أهمية تحليل الأحداث في الماضي ودور ذلك في تفسير الأحداث التي تتم في الحاضر، حيث أن استخدام أداة تحليل الخبرات التي حدثت في الطفولة المبكرة أثبتت أهميتها وقدرتها على إعطاء نتائج مرضية في التحليل النفسي والتفسير السلوكي للأفراد في الحاضر". كما جاء الطبيب الأميركي كايزر بيرماننت في أواخر ثمانينات القرن الماضي ليؤكد من خلال دراسته الشهيرة والتي نشرها في العام 1998م تحت عنوان "خبرات الطفولة السيئة وعلاقتها بممارسة السلوكيات الضارة بالصحة" على الدور المحوري الذي تلعبه خبرات الطفولة السيئة في حياة الأفراد، حيث أكدت نتائج دراسته على معاناة الأفراد ممن تعرضوا لخبرات سلبية في طفولتهم لمجموعة من الآثار ومنها الاضطرابات الجسمانية الناتجة عن الحالة النفسية غير المستقرة مروراً بالممارسات الضارة بالصحة والتي تكون نوعاً من محاولة التكيف السلبي مع الظروف المحيطة وصولاً إلى الإصابة بالأمراض المزمنة والوفاة المبكرة -لا سمح الله-. وقد تحولت تلك الدراسة لمقياس عالمي معتمد من قبل منظمة الصحة العالمية لقياس تأثير خبرات الطفولة السيئة على صحة الإنسان وجودة الحياة التي يعيشه،ا وقد تم تطبيق المقياس في العديد من دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية، وجاءت النتائج صادمة حيث أظهرت الدراسة وجود علاقة طردية بين تعرض الفرد لخبرات مؤلمة في طفولته وارتفاع نسبة ممارسته لسلوكيات ضارة بالصحة ومدى معاناته من أمراض مزمنة تؤثر بشكل سلبي على حياته، كما تم استخدام مقياس خبرات الطفولة السيئة لاحقاً في أكثر من 160 دراسة حيث تم ربط تلك الخبرات بالعديد من الآثار مثل الصحة العقلية، والنفسية، والسلوكيات العدوانية، وممارسة السلوك الإجرامي. وقد أكدت الدراسات التي تناولت الجريمة أن الفرد حينما يتعرض لخبرات طفولة سيئة وخاصة مشاهدة العنف أو التعرض له بشكل مباشر يزيد من احتمالية ممارسته لسلوكيات إجرامية في مرحلة لاحقة من حياته، وهذا ما فسرته العديد من النظريات النفسية والاجتماعية تحت مفهوم "دائرة العنف" حيث يعكس ذلك المفهوم فكرة أن شخصية الإنسان ما هي إلا مجموعة من الخبرات والتجارب والمفاهيم التي تشكل منذ الطفولة، ولذا فإن كل ما يدخل في تلك الخبرات يتم تبنيه من قبل الشخص واعتباره سلوكاً طبيعياً ومقبولاً، ويقوم بدوره بممارسته مع الآخرين وهذا ما أكدته نظرية التعلم الاجتماعي في تفسير السلوك الإجرامي، حيث تؤكد النظرية على أن الإنسان يكتسب السلوك بالتعلم والمشاهدة ومن ثم يمارسه. كما أكدت مدرسة التحليل النفسي لسيغموند فرويد في تحليل السلوك الإجرامي على ذلك، حيث ذكرت أن الفرد يمارس السلوك الإجرامي نتيجة لخلل في الموازنة بين دوافعه ورغباته، ينشأ من الكبت لبعض الانفعالات التي تم استثارتها من قبل عوامل خارجية غير سوية، لذا فإن برامج مكافحة الجريمة في أي مجتمع لا بد أن تستخدم المنهج الشمولي في استراتيجيات العلاج والوقاية والتركيز على جوانب مهمة للإنسان، مثل؛ مرحلة الطفولة المبكرة والتي يتكون فيها جزء كبير من خبرات الفرد ولها دور مهم في تشكيل مستقبله. دكتوراه علم اجتماع الجريمة جامعة الملك سعود