*لماذا يسرق الصغار؟ ولماذا أصبحت ظاهرة السرقة منتشرة أكثر من أي وقت مضى..؟ وهل نصف صغارنا اذا ما امتدت ايديهم الى ما لا يملكونه بأنهم لصوص صغار؟ أم أن الأمر يحتاج أن يسوقنا ويطرح عددا أكبر من علامات الاستفهام؟ .. السرقة عند الصغار تعني استحواذهم على أشياء ليست ملكا لهم دون وجه حق. وهي ايضا سلوك مرضي يعبر عن حاجة نفسية لدى الصغار تحتاج الى اشباع.. وتبدأ لدى الأطفال بصورة واضحة في المرحلة العمرية من سن 4إلى 8سنوات، والطفل في هذه السن عندما يسرق يفعل ذلك بشكل عفوي أو تلقائي لأنه لم يصل الى مرحلة النضج العقلي أو الاجتماعي الذي يجعله يميز ما يملكه، وما يملكه الآخرون اما اذا استمر هذا السلوك المرضي (السرقة) لدى الطفل في المرحلة العمرية من سن ( 10حتى 15) عاما، فإنه يعد سلوكا مرضيا ومشكلة نفسية تحتاج الى معرفة أسبابها وضرورة علاجها.. في هذا التحقيق نسعى الى التعرف على اللصوص الصغار ودوافعهم للسرقة (اقتصادية، اجتماعية، نفسية) من خلال عرض جملة من مواقف هؤلاء اللصوص الى جانب وجهات نظر متعددة لأصحاب المحلات التجارية المستهدفين من السرقة وفي الجزء الثاني من التحقيق نتحدث إلى عدد من المختصين في مجال الاجتماع والنفس وعلم الجريمة لتسليط الضوء عن هذه الظاهرة وأسبابها وتقديم الحلول للتقليل منها. وبعد أن تناولنا في الجزء الأول الظاهرة وحقيقتها وحجم انتشارها ومدى خطورتها على المجتمع نقدم في هذا الجزء أسباب الظاهرة وتشخيصها وعلاجها وأهمية التنبه لها والاعتراف بها وبذل الجهود للحد من انتشارها والحكمة في معالجتها وذلك من خلال الالتقاء بعدد من المختصين في هذا المجال. تعاون المجتمع في البداية أكد نائب رئيس لجنة الشؤون الأمنية والاجتماعية بمجلس الشورى الأستاذ شبيلي بن مجدوع القرني ان المعاناة من "اللصوص الصغار" تؤرق الوطن ويعاني المواطن والجهات المختصة على حد سواء من كثرة السرقات المنتشرة في المدن والمحافظات والمراكز وكذا القرى والهجر في مختلف مناطق المملكة داعياً إلى تضافر الجهود للحد من ذلك اسهاماً ولو بجهد المقل في دراسة الأمر ومعرفة أسبابه ودوافعه وسبل كشفه ومن ثم الحكمة في معالجته والتدرج في ذلك بحسب ظروف كل قضية وملابساتها والذي يرى أنه تارة يكون في تشديد العقوبة ما يمنع العودة وتارة يكون في اقالة العثرة ومحاولة التقويم ما هو أكثر في الايجابية خاصة في جانب الشباب وصغار السن ممن ليس لهم سوابق وقد يكون لهم الكثير من الدوافع غير المتأصلة في نفوسهم وإنما كان ذلك منهم تحت ظروف خاصة ويتحمل نسبة من خطأهم الغير، سواء الأسرة أو المجتمع أو الجهات المعنية في البلاد أو أصحاب الحقوق المتضررة والذين لم يحسنوا رقابتها أو تحريزها. وأضاف أنه على رب الأسرة حسن التربية والتوجيه والإشراف وسد الحاجة التي قد تدفع الشاب للسرقة، كما ان على المجتمع تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يساعد المحتاج وإضافة إلى ما تمده الجهات الحكومية من وظائف ومعونات. الرقعة أكبر من الراقع من جهته، قال الدكتور طلال بن حسن بكري رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى ان ظاهرة النشل والسرقة التي يقوم بها صغار السن تستدعي التمعن والدراسة فهي ظاهرة دخيلة على مجتمعنا لكن قد يعود هذا الأمر إلى الوضع الاجتماعي العام الذي تداخلت فيه الصفات السلبية والايجابية للمجتمع. وأكد الدكتور بكري على ان لجنته قد تدرس الظاهرة وتضع لها الحلول المقترحة التي تساعد في تطهير المجتمع منها مشيراً إلى ان العادات السيئة التي جاءت من بلدان العمالة الأجنبية التي تمتلئ بها شوارع بلادنا قد كانت سبباً رئيساً في تلوث المجتمع بمثل هذه السلوكيات كما ان التفكك الأسري الذي تعاني منه الكثير من الأسر بسبب ضغوط الحياة المختلفة قد نتج عنه ظهور مثل هؤلاء "اللصوص" الصغار في السن الذين قد لا يجدون عملاً فكان المخرج لهم امتهان هذا العمل المهين ناهيك عن عمليات التهريب الكبيرة التي تفصح عنها الجهات المسؤولة في مجال المخدرات بأشكالها الكثيرة والتي للأسف يكون خلفها غالباً هؤلاء الشباب فليس هناك من طريقة لشراء مثل هذه السموم ومن شباب عاطل عن العمل إلاّ عن طريق السرقة والنشل. ويرى الدكتور بكري الحلول ليست يسيرة في معالجة هذه المشكلة وقال "الرقعة في تصوري أكبر من الراقع" ولكن يمكن التقليل من مخاطرها باحتواء الأطفال السعوديين في دور إيواء تعيد تأهيلهم تأهيلاً سليماً وتهيئ لهم فرص العمل لمن يرغب في ذلك وفرص الدراسة لمن لا يزال في سن الدراسة فلعل ذلك يقلل من مثل هذه الظاهرة مع إيجاد الحلول لمسببات مثل هذه الظاهرة وهي حلول اقتصادية واجتماعية. تحليل حالة اللص نفسياً أما الجانب النفسي للص الصغير فيشخصها الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية والمعالج النفسي الدكتور أحمد الحريري الذي اعتبر ان التفسيرات النفسية والاجتماعية والبيولوجية من أكثر التفسيرات القادرة على تفسير السلوك الجانح أو ما يسمى بالتفسير البيونفسي Biopychological ففمن الأفكار حول ظهور سببية هذا السلوك تأخر تطور الادراك العقلي للفرد وارتباطه بعمليات الضبط الداخلي للسلوك بحث يستطيع الإنسان كبح جماح الرغبات والنوازع والحاجات الفطرية اللااجتماعية التي لا تنسجم مع معايير حضارة المجتمع وثقافته كما ان من التفسيرات الأخرى التفسيرات النفسية الديناميكية حيث يلجأ الفرد إلى مواجهة بعض المشكلات التي تواجهه بأساليب غير تكيّفية أو أساليب غير قانونية مثل السرقة، ومن ذلك الشعور بالحاجة المادية أو الشعور بالرغبة في المغامرة والاندفاع ومن التفسيرات الأخرى التفسيرات النفسية الاجتماعية، وذلك من خلال الانضمام للجماعة والتمسك بمعاييرها التي قد تكون السرقة أحد أشكالها فضلاً عن التقليد سواء لشخص يمارس السرقة أو تقليد بطل الشاشة، كما يقال من خلال تأثير المشاهد التلفزيونية في نشوء سلوكيات إجرامية متعلمة والمنافسة بين أعضاء الجماعة والشعور بالزهو والفخر أمام المجموعة في تحقيق مكاسب أكبر من خلال السرقة وقد ظهر تفسير من عام 1961م يفيد بأن الأطفال الجانحين لديهم خلل كرموسومي، حيث أنه بتحليل الحالات الاجرامية وجد ان أصحابها يحملون كرموسوماً زائداً عرف بكرموسوم XYY وحاول بعض العلماء تفسير الجريمة وراثياً من خلال الصفات الوراثية عبر التوائم لمتطابقة وغير التوائم غير ان الأكيد ان الاضطرابات النفسية والانفعالية والأسرية تتحكم بشكل مباشر في ظهور السلوك الجانح لدى المراهقين فقد ذكرت دراسات عديدة ان (85%) من الأطفال الجانحين يعانون من اضطرابات عاطفية شديدة وذكرت دراسات أخرى ان (91%) من الأطفال الجانحين يعانون من اضطرابات شديدة في شخصياتهم إذ يشعرون بالقلق والتعاسة بينما يرتبط مفهوم الشخصية السيكوباثية أي الشخصية المضادة للمجتمع بالسلوك الجانح كالسرقة مثلاً. تطور الجريمة ويؤكد الدكتور الحريري على ان ظاهرة ميول المراهقين إلى السرقة سواء بأساليب مختلفة كالنشل أو السلب أو الاختلاس تظل ضمن جرائم الأحداث وهذه الجرائم بالطبع تختلف عن جرائم البالغين تبعاً للسن القانونية للمسؤولية الجنائية في حدها الأعلى والحد الأدنى، وكذلك تبعاً لثبوت حالة الجناح لدى مرتكب السرقة، فتختلف أعمار الجانحين تبعاً لأنظمة الدولة، ففي أسبانيا مثلاً الجانحون تقدر أعمارهم بين التاسعة والثامنة عشرة، وفي النمسا وبلغاريا واليونان بين العاشرة والثامنة عشرة وفي ألمانيا بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة وفي بريطانيا بين الثالثة عشرة والثامنة عشرة. وجرائم الأحداث منتشرة في كل مجتمع بما فيها السرقة بجميع أساليبها ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً يتم القبض على أكثر من مليون وثمانمائة طفل جانح سنوياً متورطين في جرائم مختلفة كالسرقة والقتل أحياناً، حتى ان بعض الباحثين يسمى فترة المراهقة سنوات الجنوح لذلك يمكن تعريف جناح الأحداث بتعريف روث كافان انه (كل طفل أو شاب ينحرف سلوكه عن المعايير الاجتماعية السائدة بشكل كبير يؤدي إلى الحاق الضرر بنفسه وبمستقبل حياته أو بالمجتمع ذاته)، وقد تكون جريمة السرقة التي يمارسها صغار السن جريمة عرضية فيما يسمى بالجناح العرضي، إذ لا يستمر فترة طويلةوقد تكون تجربة واحدة فقط للسرقة يمر بها المراهق وتنتهي سواء كشف أو لم يكشف وقد تكون هذه الجريمة احترافية فيما يسمى بالجناح المحترف، حيث تصبح عادة لدى المراهق وفرصة ينتظرها دائماً كما يفعل الذين يسرقون السيارات أو يسلبون الجولات أو الحقائب من الأيدي، وقد تكون جريمة السرقة لدى المراهق جريمة منظمة فيما يعرف بالجناح المنظم بالاتفاق مع عصابة للسرقة والنشل كالذي تفعله بعض العصابات التي تسرق السيارات فبعض أفرادها يقوم بسرقة السيارة والبعض الآخر يبيعها والبعض الآخر من أفرادها يزور أوراقها الثبوتية وكل فرد يقوم بدورة بشكل مستقل حتى لو كان لوحده، وهكذا وقد تكون جريمة السرقة التي يمارسها المراهق جماعية بمعنى أنه لا يسرق إلاّ بمساعدة أحد بتوزيع للأدوار وهذا يسمى الجناح الجماعي، حيث لا يسرق إلاّ بمساعدة مجموعة أحدهم يراقب والآخر للاتصال به وآخر مثلاً لاشغال أي شخص يأتي. وحول علاج ظاهرة السرقة لدى المراهقين يقول الدكتور الحريري بغض النظر عن الأسباب التي يمكن تلافيها كعامل رئيس في علاج مشكلة السرقة إلاّ ان الأسرة باستقرار أفرادها وبما يملأها من حب ورحمة وتآلف، وهي كنواة أساسية للمجتمع تصقل شخصية أبنائها قبل خروجهم لمعترك الحياة لها دور أساسي في تنمية الضوابط الذاتية لدى الأبناء كما ان المدرسة بما تمليه من معايير تربوية أيضاً لها دور فاعل في علاج المشكلة وبالطبع فإن فاعلية الأجهزة الأمنية بما تملك من تقنية وكفاءة وهيبة أيضاً تسهم في علاج مشكلة السرقة، ولا ننسى ان المجتمع بما يحمله من حس أمني وشعور بالمسؤولية الأمنية يساعد في علاج المشكلة، إذ ان المسؤولية الأمنية مسؤولية مشتركة وليست مسؤولية أجهزة الأمن فقط كما يعتقد البعض. مسؤوليات الأسرة من جانبه، قال إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق بحي النسيم الشرقي الشيخ عبدالله بن يتيم العنزي ان الجريمة بشرية مجتمعية ولا يخلو مجتمع من الظواهر السلبية مهما بلغ التطور والتقدم، لأن السلبيات من فطرة البشر يقول صلى الله عليه وسلم "لو لم تذنبوا وتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون الله" فالسلبية موجودة في كل مجتمع إلاّ أنها تتفاوت بين مجتمع وآخر ومجتمعنا الإسلامي المحافظ يمتاز عن غيره، حيث تندر فيه بعض الظواهر السلبية ولله الحمد، وحقيقة ان ظهور بعض الظواهر السلبية ليست دليل انحطاط المجتمع وزواله إلاّ ان من الظواهر التي بدأت في الانتشار في مجتمعنا ظاهرة اللصوص الصغار ولعل سبب انتشارها ضعف الوازع الديني لدى الصغار وأولياء أمورهم مما سبب الانحراف لديهم وقصور تربية النشء ومن ذلك القسوة والكبت والحرمان الذي ينتهجه بعض الآباء والأمهات في تربية أولادهم فهذه الأمور لها أثر خطير على سلوك الطفل إما بالتمرد والعصيان وإما بالعنف والعدوان على الآخرين، كذلك من قصور التربية الدلال الزائد للأطفال كذلك ومن مظاهر ضعف التربية: القدوة السيئة والتفكك الأسري وكثرة الخلافات بين الزوجين.. وحالات الطلاق التي تحدث في بعض الأسر وطول غياب الوالدين عن المنزل وهذا أمر يقع فيه كثير من الآباء والأمهات. وأشار إلى ان رفقاء السوء هم مفاتيح الشرور والمصيبة ان الشاب يجدهم في كل مكان فقد يشاركونه مقاعد الدراسة وقد يجاوره في السكن وفي الشارع وفي البوفيهات ومحلات التسالي وفي الحدائق والملاعب والأماكن العامة، مؤكداً على ان وسائل الإعلام سبب من أسباب نشر جريمة السرقة وعلى الرغم من هذا الخطر.. فإن بعض الأسر لا تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد. وقال ان تفشي ظاهرة السرقة بسبب الظروف الاقتصادية غير صحيح ولا يلجأ إلى ذلك إلاّ ضعيفو الإيمان فالفقر والعوز ليسا عيباً والرسول عليه والصلاة والسلام يقول في الحديث (ما الفقر أخشى عليكم.. الحديث) فالفقر ليس مسوغ للانحراف لكن الطمع والجشع هما سبب الانحراف لدى مريض القلب. ويرى الشيخ العنزي ان من أهم وسائل العلاج لظاهرة اللصوص الصغار ما يقع على عاتق المرشدين والمفكرين والمربين والآباء والأمهات من تذكير الناس بربهم وان يزرعوا في قلوب الشباب مخافة الله، والتأكيد على قيم الأمانة والصدق في نفوس الناشئة إلى جانب ملء أوقات الشباب بما ينفعهم.