ولد سيغموند فرويد في بلدة فرايبرغ، من مقاطعة مورافيا، في النمسا في السادس من أيار مايو 1856. عام 1881، نال إجازة في الطب. عُيّن مُحاضراً في الأمراض العصبية، في جامعة فيينا عام 1885. والمعلوم ان تلك الجامعة مثّلت"دُرّة التاج"في التطور العلمي قبل الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى كونها عاصمة الامبراطورية النمسوية الهائلة والثريّة. واستمرت جامعة فيينا في تبوؤ تلك المكانة إلى الحرب العالمية الثانية. ومن اللافت انها جمعت، في تلك الفترة عينها، العلماء الذين صاغوا النظريات الأساسية عن الذرّة وقواها، مثل فيرنر هايزنبرغ وإدوين شرودنغر ونيلز بور وانريكو فيرمي وغيرهم. وشارك بعض هؤلاء في صنع القنبلة الذرية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي ألقيت على هيروشيما ثم ناغازاكي. تتلمذ فرويد على إختصاصي الأمراض العصبية جان شيركوه. ويؤثر ان الأخير اكتشف حال الشلل العام التي تُصاحب الحالات المتقدمة من مرض السفلس. عام 1886، تزوج من مارثا بيرنايز، وافتتح عيادة خاصة لممارسة الطب العصبي. عام 1891، شرع فرويد في استعمال التنويم المغناطيسي لعلاج حالات العُصاب، التي كانت تُسمى"هستيريا"Hysteria. والحال ان ذلك المصطلح لا يخلو من نبرة ذكوية. إذ انه مُشتق من لفظة"هيستر"التي تعني"الرحم"باليونانية. ولذا، فإن كلمة"هستيريا"تعني حرفياً"تحرك الرحم"، لأن الإطباء حينها، اعتقدوا أن للرحم أثراً سلبياً في المرأة اذ انه يتقلقل، فيُحدث انهاكاً كبيراً في الجهاز العصبي للنساء ويوهنه، فيفقدن السيطرة عليه. وسار فرويد في اتجاه مغاير لذلك التفكير البيّن الذكورية. ففي ذلك الوقت، شخّص فرويد بضع حالات لإناث أُخضعن للعلاج بإعتبارهن يعانين من"الانهاك العصبي"Neuroathenia. ولم يسبقه أحد في القول بأن أمراض الجسد، بما فيها الجهاز العصبي، قد تنجم عن إضطرابات نفسية. ودوّن تلك الحالات في مؤلفه الشهير"خمس حالات من الهستيريا". ومن المهم القول ان فرويد استعمل كلمة"هستيريا"في شكل محدّد، أي باعتبارها وصفاً لظهور أعراض في الجسم بسبب الإضطراب النفسي. ولاحقاً، أدت الشهرة الهائلة لفرويد، ولشيوع أفكار مدرسته في التحليل النفسي إلى إساءة استعمال هذا المُصطلح، ما دفع بالهيئات الدولية المسؤولة عن الأمراض النفسية إلى الاستغناء عن استعماله. عام 1895، وضع كتاباً أول عن الهستيريا، بالمشاركة مع صديقه القديم الطبيب جوزيف بروير. وتضمن ذلك الكتاب، واسمه"دراسات عن الهستيريا"تنظير فرويد الأولي عن نشوء الامراض العصابية، إضافة الى وصف المريضات اللاتي عالجهن من الهستيريا، ومن بينهن المريضة التي اشتهرت باسم"آنا أو"، والتي عالجها بروير أولاً، قبل ان يتدخل فرويد بأسلوبه المبتكر وينتشلها من حالها النفسية المُضطربة. في مفتتح القرن العشرين 1900، كتب فرويد مؤلفه الذائع الصيت"تفسير الأحلام" Interpretation of Dreams ، الذي اعتبر تغييراً في نظرة البشرية إلى تفكيرها، لأنه صاغ فيه رؤيته القوية عن اللاوعي، واعتبره بُعداً أساسياً في فكر الانسان ووعيه. عام 1910، باتت شهرة فرويد مدوية، ما مكّنه من تأسيس"رابطة التحليل النفسي". ففي ذلك الوقت، اقتنع رهط كبير من أطباء العالم بنظرته التحليلية للأمراض النفسية، مثل تفسيره وعي الانسان بأثر الغرائز الأساسية وخصوصاً الجنس"الليبيدو"، وبلورته لمفهوم"عقدة أوديب"Odipud Complex، وقوله ان اللاوعي الانساني يملك بنية وتركيباً مثل الوعي، واعتباره اللاوعي جزءاً مكوّناً في شخصية الانسان وبُعداً أساسياً في علاقة الفرد مع الحضارة التي يعيشها، وكذلك تفسيره للكثير من السلوكيات الانسانية"العادية"مثل زلات اللسان وفجوات الذاكرة والنكات الجنسية والكلمات الملتبسة المعاني وغيرها بأثر العوامل النفسية، وخصوصاً اللاوعي. وهكذا، تحلّقت حول فرويد مجموعة من"المُريدين"، مثل كارل يونغ وألفرد أدلر وآنا فرويد ابنته وغيرهم. ولاحقاً، اختلف بعض التلامذة مع"الاستاذ الأول". وانفرد كل بتفسيره، وتمسك برأيه، ما ولّد انشقاقات شتى في صفوف مدرسة التحليل النفسي. خصوصاً بين يونغ، الذي عمل على بلورة مفهوم اللاوعي الجماعي Collective Unconscious، وإدلر، الذي ركّز على مفهوم الدونية"عقدة النقص"Inferiority Complex. واعتبر يونغ اللاوعي الجماعي مصدراً للأساطير والحكايات والأنماط الشائعة، وبالتالي القيم الثقافية العميقة، التي تتبناها الجماعات البشرية. وركّز إدلر على العنف، إذ إعتبره غريزة أساسية مساوية للجنس، في تفسير التركيب النفسي للإنسان. ويرى البعض ان ثمة حضوراً لأصداء بعيدة من مقولات إدلر، مع كل الابتعاد عن طريقته في التفكير، في الفكر المعاصر للقرن 21، كالحال في أراء المُفكّر الفرنسي بيار بودريارد عن العنف الرمزي. عام 1938، بدت سماء أوروبا ملبّدة بكثافة بنُذر الحرب العالمية المقبلة، وخصوصاً مع صعود الحزب النازي في المانيا بقيادة أدولف هتلر. واستطاع هتلر ان يطيح بحكومة فايمار الليبرالية في المانيا، ويؤسس الرايخ الثالث النازي. ترافق ذلك مع إضطهاد اليهود في النمساوالمانيا والدنمارك وغيرها من الدول التي تأثرت بأفكار النازية وممارساتها. وفي ذلك الجو المحموم، هاجر عدد من علماء أوروبا من أصحاب الأصل اليهودي، إلى بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما. توفي سيغموند فرويد في 23 أيلول سبتمبر 1939، مع مطالع الحرب العالمية الثانية.