لن أتنصل من حقيقة أنني كنت على قناعة تامة بأن الانتخابات الأميركية ستكون لصالح ترمب وذكرت ذلك في تقرير سابق، تلك القناعة كانت وفقاً لحقائق وإنجازات لا يمكن تجاهلها كان من أبرزها حصول ترمب على جائزة العدالة التوافقية من قبل منظمة (بلاك)، وهي تنظيم تحالف وطني من السود الجمهوريين والديموقراطيين والمستقلين الذين يركزون على إصلاح العدالة الجنائية؛ وذلك لجهود ترمب في محاربة الجريمة، ولكن هذا لا يغير حقيقة أن جو بايدن حصد رقماً ضخماً من الأصوات يجب أن نتوقف عنده، ونحاول فهم الأسباب التي ساقت إليه خصوصاً بعد أن رفضت المحكمة العليا النظر في دعاوى التزوير التي كان يعول عليها أنصار ترمب لتبرير خسارته. بعد خسارة ترمب الانتخابات الأميركية لصالح بايدن، نحن أمام واقع يجب استعراض الأحداث التي سبقته لنتمكن من فهمه وفقاً لهذه النتيجة غير المتوقعة، وبعيداً عن الغشاوة التي صنعتها الإنجازات الاقتصادية التي حققها ترمب خلال الثلاثة سنوات الأولى من فترة رئاسته، أحداث ومعطيات ساهمت في تحويل أمواج الناخب الأميركي إلى اللون الأزرق وكبحت جماح الموج الأحمر بشكل كاف لخسارة ممثل الحزب دونالد ترمب تتمثل في الأمور التالية: ملف جائحة كورونا، والذي قرر ترمب أن يتعاطى معه من منظور اقتصادي بحت بعيداً عن الجانب الإنساني حيث كان ينادي بفتح الاقتصاد، وعدم اتخاذ إجراءات متحفظة تجاه هذا الفيروس، حتى أصبحت أميركا في مقدمة الدول الأكثر تضرراً من الجائحة، هذا النهج الجريء انعكس من دون شك على صناديق الاقتراع ليكون بمثابة الرد الوافي والكافي من الشعب الأميركي على فشل ترمب وعدم إدراكه لأولويات المواطن في هذا الشأن، على عكس ما فعله بايدن تماماً ونادى به في ما يخص هذا الملف، وهو اتخاذ إجراءات مماثلة لما تبنته الدول الأوروبية الأخرى. ملف برنامج أوباما الصحي الذي يرتبط بشكل مباشر بجائحة كورونا، وكيف أن ترمب فشل في تغيير هذا البرنامج أو تطويره خلال فترة رئاسته، وفي هذا السياق لا ترمب تمكن من تبني برنامج تأمين تجاري قادر على تقديم رعاية صحية جيدة وغير مكلفة، ولا هو تمكن من تطوير برنامج صحي حكومي يحقق المتطلبات الصحية الأساسية لجميع فئات المجتمع وعلى وجه الخصوص فئة كبار السن. كذلك الملف المتعلق بخطاب الكراهية والإقصاء الذي كان محل انتقاد وتجريم من قبل فئات كبيرة من المجتمع بما في ذلك رموز داخل الحزب الجمهوري والذين عرفوا ب(Nevertrumpers) (نَفَر ترمبرز) أمثال: مت رامني، وأسرة بوش، وكذلك جون مكين الذي أوصى قبل وفاته بعدم حضور ترمب لمراسم جنازته، وهو ما قد يفسر خسارة ترمب لولاية أريزونا الجمهورية لصالح جو بايدن! هذا الخطاب تسبب في اتساع فجوة الاستقطاب داخل المجتمع الأميركي، لذلك قرر الشعب أن يضع حداً لهذا الأمر في انتخابات 2020. وقد ذكرت في ختام تقرير سابق حول حظوظ ترمب قبل الانتخابات:"أن الانتخابات الأميركية ونتائج الاقتراع العامة قد تتأثر بمعطيات غير ملموسة ولا يمكن قياسها، تتعلق بقدرة المواطن على التعاطي مع مشهد سياسي ملتهب قد يميل فيه إلى الرغبة بالتغيير من خلال العودة إلى ما قبل العاصفة حتى لو كان ذلك على حسابه، وهذا لا يصب في مصلحة ترمب". وهو ما حدث بالفعل في هذا السياق. من أهم الملفات أيضاً، هو سياسات ترمب اليمينية المتطرفة، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار أن الشعب الأميركي ما زال ينشد حكومة تتبنى سياسات تعزز التعايش داخل مجتمع متنوع وتؤصل لمفهوم الضبط والتوازن الذي يعد مرساة الولاياتالمتحدة. ونخص بالذكر في هذا الشأن تعيين عدد ضخم وتاريخي من القضاة اليمينيين داخل السلك القضائي كان آخرهم عضو المحكمة العليا "أيمي بارت" التي نتج عن تعيينها تحول المحكمة العليا إلى أغلبية يمينية ساحقة بواقع ستة مقابل ثلاثة، هذا الإنجاز يمكن أن يخضع ل "عسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم". ملف الصين والحرب التجارية التي أصبحت تقلق منام الشعب الأميركي، وذلك لكونها أخذت منعطفاً خطيراً كان السمة الأساسية له التصادم وغياب الدبلوماسية التي تعي حجم دولة تعد شريكاً أساسياً في صناعة القرار الدولي ومعالجة القضايا الشائكة حول العالم، هذا الملف بالذات اعتقد جازماً أنه كان محفزاً أساسياً لتحريك صوت الناخب في 2020 ضد ترمب نظراً لكون بايدن والحزب الديموقراطي أكثر براغماتية وتعقلاً في علاقتهم مع الصين. بعد فوز ترمب الساحق على هيلاري كيلينتون في انتخابات 2016 ظن أن الشعب الأميركي بجميع شرائحه أصبح ينشد السياسات الرأس مالية المحافظة، لذلك قرر أن هذا هو الحصان الرابح، فانطلق من دون لجام حتى أنه قال خلال أول خطاب له داخل الكونغرس: "لن نسمح بالأفكار الاشتراكية"، لكن كانت المفاجئة أن الناخب الأميركي في 3 نوفمبر 2020 لم يوافقه الرأي بقدر كاف للبقاء في البيت الأبيض. هذه الحقائق على ما يبدو وبشكل غير متوقع كانت كفيلة لتقليل وزن إنجازات ترمب الاقتصادية، والتغافل عما قد تأتي به إدارة جو بايدن من سياسات معادية للاقتصاد، وفي مقدمتها رفع الضرائب على ذوي الدخل المرتفع.