عندما تكون السياسات واضحة والمسؤوليات معروفة والصلاحيات مفوضة والثقة موجودة، فهل من الضروري أن يرجع المسؤول لرئيسه في كل صغيرة وكبيرة؟. من الأقوال أو الحكم المأثورة في هذا الموضوع مقولة: (أرسل حكيما ولا توصه)، وحتى لو حدث خطأ من هذا الحكيم فإن رئيسه حكيم أيضا ويدرك أن هذا الخطأ غير مقصود ونتيجة اجتهاد تحت ظروف اضطرته لذلك، هذا الرئيس الحكيم الذي أعطى ثقته بالمسؤول سيدعمه حين يكون مخلصا في عمله، وله سجل إنجازات متميزة يحق له أن يفتخر بها. تمر مواقف من هذا النوع على كثير من الناس في مواقع العمل المختلفة وفي مجالات إدارية واجتماعية وثقافية وسياسية. الثقة بين الرئيس والمرؤوس هي التي تجعل الرئيس يختار الشخص المناسب ويكلفه بالمهام مع الخطوط العريضة ويترك له التفاصيل والتصرف وفق السياسات العامة والأهداف المنشودة ووفق ما تقتضيه الظروف، وإذا كان المكلف بالمهام سيتواصل مع الرئيس في تفاصيل التفاصيل بحثا عن التوجيه فمعنى هذا أن الرئيس هو الذي يؤدي المهام والمفوض هو مجرد ساعي بريد. حين يقول الرئيس للمرؤوس: "أرسل حكيما ولا توصه"، فهذه ثقة وشهادة ودعم معنوي وتحفيز على تحقيق نتائج إيجابية. الثقة هي التي تفوض الصلاحيات، وإذا تم التفويض فالأفضل عدم تدخل الرئيس أو الجهاز المركزي كأن تعطى الصلاحيات "مثلا" لمدير المدرسة بتنظيم فعاليات اجتماعية (بشرط) الحصول على موافقة الوزارة. هذا الشرط لا يتفق مع ظروف الحالات الطارئة ويتعارض مع مبدأ الثقة وقرار التفويض حيث إن من أهم إيجابيات التفويض السرعة في اتخاذ القرار في مثل هذه الحالات، كما أن التفويض مؤشر على الثقة بالمرؤوسين، وعلى وضوح الأهداف، وتطبيق مبدأ التوقعات الإيجابية فلا يمكن أن تفوض شخصا ثم تصدمه بتوقعات سلبية كما يفعل بعض الآباء مع أبنائهم حين يكلف أحد الأبناء بمهام معينة مع عبارة محبطة تقول (عندنا ضيوف اليوم، اذهب إلى السوق وأحضر لنا هذه الاحتياجات المكتوبة، "ما أدري أنت تعرف وإلا يمكن تفشلنا، نبي نغامر معك هذه المرة" هذا أسلوب غير تربوي يمكن أن نطلق عليه مسمى الإحباط المسبق.