لقد اتصفت علاقات المملكة مع السودان بأواصر واضحة الخصوصية، وظلت قيادتنا في موقف الانحياز الكامل لكل ما يدعم شعب السودان، وهو موقف يستحقه أبناء هذا الشعب الأصيل، فكلنا جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. سعادتي بفرحة السودان لها خصوصية شخصية، فخروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفق التصنيف الأميركي، خبر ستترتب عليه الكثير من المكاسب للشعب الشقيق الذي صبر على الكثير من صنوف المعاناة في عقوده السابقة. وهو أمر يجعل كل محب للسودان ممتلئا بالسعادة تجاه هذا البلد العزيز على أمته العربية والإسلامية. لكن خصوصية احتفاليتي تنبع أيضا من خصوصية علاقاتي على المستوى الشخصي بالكثير من أصدقائي السودانيين. هذا الأمر سبق أن ذكرته أكثر من مرة، ويعرفه من يعرفونني عن قرب، فالإنسان السوداني له مكانة عميقة في قلبي لما يكتنزه من صفات الإخلاص والرجولة والوفاء.. فضلا عن سماحته وتلقائيته وصفاء دواخله بما يجعله جديرا بالمحبة التي يحظى بها لدى كل من تعامل معه. لقد بادرت منذ رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بتهنئة أصدقائي السودانيين، فقد كنت أعرف ما ترتب على تلك القائمة من عقوبات وحصار قاس على هذا الشعب الجميل، حيث حرموا من التعامل مع العالم عبر الأنظمة المصرفية، وحرموا من التمتع بالكثير من معطيات التقنية الحديثة وبرمجياتها ووسائطها، وحرموا من تمويل المشروعات والاستثمارات المغرية والمضمونة العوائد، كما حرموا من السبل التي تتيح لإنسان السودان الابتعاث والتدريب في الغرب ولا سيما الجامعات ومراكز البحث والتقنية والعلوم في الولاياتالمتحدة الأميركية. لم يكن شعب السودان جزءا من أخطاء السياسة، فالسياسات قد تتجاذبها عناصر متنوعة تكون - حين تحيد - بعيدة عن ملامسة المعدن الأصلي لهذا الشعب الشقيق، وقد دفع الأشقاء أثمانا باهظة.. أعانهم الله على سرعة تجاوز آثارها. لقد اتصفت علاقات المملكة مع السودان بأواصر واضحة الخصوصية، وظلت قيادتنا في موقف الانحياز الكامل لكل ما يدعم شعب السودان، وهو موقف يستحقه أبناء هذا الشعب الأصيل، فكلنا جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وظلت المملكة جزءا أصيلا في الجهود التي سعت لرفع السودان من قائمة الداعمين للإرهاب، مستندة إلى علاقاتها المتينة وثقلها الدولي، ليصل السودان أخيرا إلى التخلص من عبء العقوبات الذي شل اقتصاده وأقعده عن الانسجام مع محيطه الدولي. إن مواقف المملكة تجاه شعب السودان هي مواقف الأخ تجاه أخيه، فبالإضافة لأواصر العروبة والإسلام فإن المملكة والسودان عنصران أساسيان في أمن المنطقة وأمن البحر الأحمر، كما أنهما عنصران أساسيان في صناعة الرخاء المطلوب لشعوب المنطقة من حيث التجارة وتبادل المنافع الاقتصادية، إضافة لما يربط البلدين من مصالح مشتركة وعناصر يمكن أن تتكامل بما يحويانه من إمكانات وثروات لتكون في مصلحة شعبينا الشقيقين. كل أصدقائي السودانيين الذين هنأتهم بالخروج من القائمة التي كبلت خطواتهم أجمعوا على أن الإرهاب لا يشبه شعوبنا، ولا يعبر عن مكنوننا العقدي والحضاري والإنساني، لكن كل شعوب العالم لا تخلو من الحالات المعزولة والمنفلتة على اختلاف جنسياتها ومعتقداتها وثقافاتها، فالإرهاب لا دين له ولا جنسية ولا عرق ولا نطاق جغرافيا، ولذلك ظل شعب السودان على الدوام ضد كل ما يؤجج الإرهاب ويصنع مناخاته، وظل على موقفه هذا حتى وهو يرزح تحت نير العقوبات وآثارها الأليمة عليه. انعتق السودان الآن من أحد المعيقات التي كبلت خطواته طوال أكثر من عقدين، وانفتحت الآفاق أمامه ليعود فاعلا ومنسجما مع تطلعات شعبه وطموحات محيطه. هنيئا لأصدقائي السودانيين بالانفراج الكبير، مع الأمنيات لهم بدوام الخير والتوفيق لبلدهم العزيز على كل قلوبنا.