عند مشاهدتنا لأحد أفلام هوليود ننهمك في الاستغراق مع قصة البطل ودائرة تفاعله الخاصة، ونتعاطف معها. كثيرا ما تتخلل مشاهد الملاحقات والمعارك حالات موت عرضية لأشخاص ليس لهم علاقة مباشرة بالبطل. نعم كائنات بشرية تموت ويتم عرض موتها في لحظات سريعة جدا دون أن تكلفنا الكثير من التعاطف! لأنك لا تعرفهم ولا تعرف قصة كل فرد منهم سيكون تعاطفك معهم غير وارد. يحول انهماك عاطفتك مع أبطال قصتك دون التنبه لأشياء قد تكون أكثر مأساوية. هل تنحو عاطفتنا إلى هذا السلوك عند مشاهدة الأفلام فقط؟ من المؤسف أن هذا سلوكنا في الحياة الواقعية أيضا. هناك فارق كبير بين تعاطفنا مع من نعرفه ولو بمجرد الاسم أو الوجه، وبين من لا نعرف عنه أي تفصيل معين. بل من المفارقات العجيبة أنك ربما تمر بأحد الأشخاص يوميا في موقع معين دون أن تلاحظه حقيقة رغم تبادلكما التحية والنظر إلى بعضكما أحيانا. قد يحدث أنكما تلتقيان فيما بعد في مكان أقل أهمية، وعندها تبدأ الأسئلة وتكتشفان الموقع الذي كنتما تريان بعضكما فيه. ماذا يحدث بعد ذلك؟ ستأخذ العلاقة سمة أكثر تعاطفا عند كل موقف تلتقيان فيه، وستبدأ بالشعور بشيء من المسؤولية الأخلاقية تجاه هذه المعرفة. ماذا حدث حقيقة؟ لقد أخذ هذا الشخص من خلال معرفتك به دورا في قصتك. ولذلك استحق شيئا من عاطفتك. كانت النقطة المتمثلة في أثر المعرفة الشخصية على الشعور الأخلاقي من أبرز نقاط الخلاف بين لورنس كولبيرج وتلميذته كارول غليغان، بحسب كولبيرج فالإنسان يكون أخلاقيا أكثر كلما استطاع تحييد علاقاته وتنحية آثارها على الحكم الأخلاقي. وهو في ذلك متسق مع أغلب فلاسفة الأخلاق السابقين له بطبيعة الحال. بحسب غليغان رائدة فكرة (أخلاق العناية) فإن تصور كولبيرج لا يعدو أكثر من تحيز ذكوري للعقلانية المجردة وأن تكريس هذا الرأي في الأخلاق النظرية كان ناتجا عن إقصاء وجهة نظر الطرف الأكثر فاعلية في صياغة الأخلاق عمليا وواقعيا بواسطة الأمومة (المرأة). التحيز للأقربين بحسب غليغان هو عين الأخلاق لأنه يدعم جسر الثقة في علاقات البشر. لمعرفة الوجه رصيد مؤثر على الحكم الأخلاقي وينبغي التوقف عن النظر إلى هذا التأثير كخلل في الغريزة البشرية. بصرف النظر عن الموقف من هذا الخلاف الفلسفي. نحن في الواقع الذي نعيشه متحيزون لما نعرف، جانحون إلى ما يتداخل مع حياتنا؛ لأن الحياة قصة متجسدة كما يذهب الفيلسوف تشارلز تايلر أو لأننا مجبولون على إدراك كل ما حولنا في قالب سردي أي (قصة) فإن مشاعرنا قد تخلقت أيضا على هذا الأساس كما يبدو.. لعل هذا ما يفسر تعاطف أغلب الناس مع قصة مأساوية تعرض بتركيز على بضعة أشخاص فقط بقدر يفوق تعاطفهم بكثير عند تعاملهم مع إحصائيات ومعلومات تحاول عرض واقع مأساوي ما، مهما بدت تلك الأرقام كبيرة وفاجعة، وربما هذا ما يفسر أيضا لماذا لا نتعاطف مع قتلى كارثة يعرضها فيلم هوليودي بنفس القدر الذي نتعاطف به مع أبطال القصة التي نتابع في الفيلم نفسه. فلنفكر في الأمر! تشارلز تايلر