في البدء.. كل عام وأنتم بخير.. وبعد، فلعل أكثر ما يلفت النظر خلال الأيام السابقة أن لدينا ثقافة جديدة تتسم بالعقلانية والرشاد، تستحق أن نطلق عليها "العقلانية الشرائية"، أرى السلوك فيها مختلفاً عما كنّا عليه سابقاً وفق قدرة على التحكم بالمطلوب، واختيار المهم الأساسي فقط. إلى ما قبل كورونا لن يكون لك "محل قدم" في الأسواق قبل المناسبات والأعياد.. من فرط تزاحم، وكأن الناس مقبلون على ظروف استثنائية ستقل فيها الأرزاق.. وبعد أن عمت جائحة كورونا العالم بدا أن الناس قد عرفت ما تحتاج وما لا تحتاج، فالحجر المنزلي لنحو ثلث عام علمنا ضبط النفس.. الفرق بين الإسراف والعقلانية.. بين التبذير والتقتير.. والانقياد للواقع. حالياً نحن في خضم عيد الأضحى وأيام التسابق على كل ما ثقل وزنه أو خف وغلي ثمنه لا نشاهدها الآن.. فقد أصبح كثير منّا قادرين على السيطرة.. ومدركين أن حياتنا لا تحتاج لتلك الفائضات.. ونثق أن درس كورونا لنا سيستمر وسيكون ترسيخاً لمبادئ "العقلانية الشرائية" وعلى عكس مفهوم التفريط الشرائي الذي كان عنواناً لمرحلة سابقة ليست بعيدة كنّا نعاني منها إلى الدرجة التي أصبحنا نحسبها جزءًا من شخصية المستهلك السعودي. الآن نحن في أجواء عيد الأضحى المبارك وكل من تيسر له ذبح الأضحية سيفعل اليوم أو خلال الأيام الثلاثة المقبلة، ليعود التساؤل من جديد هل عقلانيتنا الجديدة ستنطبق على الأضحية؟ وهل سنتخلص من الإسراف المتنامي في هدر دم بهيمة الأنعام؟ رغم أن حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم أكد لنا حقيقة الأضحية ولمن توجه وعددها فعلاً وقولاً. نقول: إن كثيرين يمارسون الإسراف في عدد الأضاحي، ونحسب ذلك من الفعل المنهي عنه لنعود إلى ما بدأنا به عن ترشيد الاستهلاك، والثقافة الإيجابية الجديدة التي بدأت تظلل علينا.. فالهدف كان أننا بتنا نحتاج إلى توجيه العادات والأنماط الاستهلاكية سواء التكميلية أو الغذائية، وبما يجعل سلوكنا الاستهلاكي الفردي أو الجماعي يتسم بالتعقل والاتزان وحسن التدبر وبحيث تكون مدفوعاتنا حسب ما نحتاجه، ووفق التوجيه الإسلامي الكريم الذي ينبذ الإسراف ويحذر منه. المهم في القول: إن التدبر العاقل للمشتريات المناسباتية والاعتيادية وجعلها متوائمةً مع الاحتياجات، سيسهمان في تحسين نمط حياتنا إلى الأفضل بل سيقوداننا إلى مكتسبات سلوكية ومعيشية أرقى، ونحن بدعوتنا إلى الترشيد الاستهلاكي لا نقصد الدعوة إلى مبدأ الحرمان من التمتع بملذات الدنيا، بقدر ما نقصد بها العمل على تربية النفس وضبط السلوك، وبما يجعلنا كمجتمع قادرين على تجاوز عادات سلوكية بالية، وجب انتزاعها بما يتوافق مع الحياة المعيشية المتسارعة الحالية، أيضاً من منطلق إسلامي هو ترسيخ للسلوكيات والهدي النبوي لأجل أن يقوم كل فرد بدوره، مدركاً واجباته في الدنيا والآخرة.