برغم دعوات الترشيد، والمطالبات من المختصين والمهتمين بشؤون الأسرة والمجتمع بضرورة تغير الصورة النمطية الاستهلاكية الواسعة للشعب السعودي، فإن هناك وتيرة متصاعدة في الإفراط الاستهلاكي، وخاصة فيما يتعلق بالقطع والأدوات الكمالية التي تنتشر محلاتها في جميع شوارعنا التجارية وبكل مناطق المملكة، وتلعب الغالبية منها على وتر التخفيضات وتحديد الأسعار المغرية للمستهلك، فيقع الكثير منا في فخ البضائع المقلدة والمزورة، ولم تغفل رؤية المملكة 2030 هذا الجانب من خلال تركيزها على أهمية المطالبة بالعمل على ترشيد الاستهلاك والاهتمام من المواطن على وجه الخصوص بكل ما من شأنه تجويد المستوى المعيشى والاهتمام بالصحة العامة ورياضة الأبدان والثقافة والترفيه المتوازن، والصرف على هذه الجوانب يعني عدم الالتفاف للكماليات غير الضرورية سواء في المنازل، أو أيضا عدم شراء السلع المقلدة والرديئة والتي يكون ضررها أكبر، أو تسبب خسارة للمستهلك بالوقت الذي كان يرغب بالتوفير بشراء سلعة منخفضة التكلفة. انتشار البضائع المزورة يقف خلفها مقيم جشع .. ومواطن يخون وطنه من أجل الفتات البضائع المقلدة أثرها يتعدى الغش للضرر الصحي فوضى وانتهاك لحقوق المستهلك "الرياض" تفتح هذا الملف مع عدد من المختصين والمهتمين بهذا الشأن، حيث تحدث في البداية، د. فيصل الفاضل عضو مجلس الشورى، قائلاً، "يعد الإفراط في استخدام الأدوات المنزلية الكمالية وغير الضرورية من الظواهر السلبية التي نجمت عن الطفرة الاقتصادية التي مرت بالمملكة على إثر ارتفاع أسعار النفط وما صاحبها من عادات استهلاكية، وربما تكون نتاج ثقافة استهلاكية منتشرة بين نسبة كبيرة من المواطنين السعوديين الذين اعتادوا على الشراء المفرط للسلع الاستهلاكية المختلفة، إشباعاً لحاجة الشراء وإرضاء للرغبة الكامنة في الإنفاق، وقد ترتب عليها انتشار محلات ما يسمى "أبوريالين" وما يشبهها بكثرة في شوارعنا، ولا شك أن انتشار هذه المحلات وازدياد الإقبال عليها، وما يصاحبها من فوضى وانتهاكات لحقوق المستهلك، وعدم دراية بمصادر هذه البضاعة وكثيرا منها تكون مغشوشة، أومقلدة وسط غياب الرقابة الفعالة عليها من قبل الجهات المختصة، سيؤدي إلى مزيد من الإضرار التي تمس بصحة المواطن وسلامته، فما يتم مصادرته بين الفنية والأخرى من التجارة وغيرها من الجهات الأخرى، نسبة بسيطة مقارنة بما يصل لمنازلنا عن طريق محلات تدعي التخفيض وهي في الواقع تقدم المقلد أو ذا الجودة المتدنية. ويؤمل مع رؤية المملكة 2030م والتركيز على تحسين جودة الحياة والاهتمام بالأساسيات مثل صحة الإنسان وممارسة الرياضة ورفع مستوى الثقافة الادخارية والترشيد، وخاصة في بداية الحياة الزوجية فلذلك آثاره الإيجابية في الحد من مثل هذه الظواهر والعادات الاستهلاكية السلبية، والضارة بالمواطن والاقتصاد الوطني، كما يؤمل أن يواكب هذه الرؤية الثاقبة الإسراع بإقرار المنظومة التشريعية من التنظيمات واللوائح الهادفة إلى توعية المستهلك بحقوقه وواجباته وحمايته من المنتجات المضروبة التي تؤدي إلى مخاطر على صحته وحياته، وتزويده بالحقائق التي تساعده على الاختيار السليم، وحمايته من الإعلانات وبطاقات السلع التي تشمل معلومات مضللة وغير صحيحة، وإفساح المجال أمامه للاختيار من العديد من المنتجات والخدمات التي تعرض بأسعار تنافسية مع ضمان الجودة، والتعبير عن مصالحه بما يسهل الاهتمام بها عند إعداد سياسات الحكومة وتنفيذها، وإشباع احتياجاته الأساسية بإعطائه حق الحصول على السلع الضرورية الأساسية وكذلك الخدمات، كالغذاء والكساء والمأوى والرعاية الصحية والتعليمية، وكذلك تفعيل حق المستهلك في المطالبة بالتعويض أو التسوية العادلة عند تعرضه للتضليل وحصوله على السلع الرديئة أو الخدمات غير المرضية، وتثقيفه وإكسابه المعارف والمهارات المطلوبة لممارسة الاختيارات الواعية بين السلع والخدمات، وأن يكون مُدركاً لحقوقه الأساسية ومسؤولياته وكيفية استخدامها. هل نحن آلات استهلاكية؟ د. علي الشبيلي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمختص بشؤون الأسرة والمجتمع يقول: "لا ريب أننا نعيش عصرا مفتوحا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وقد أدى هذا الانفتاح إلى ظهور أنماط استهلاكية جديدة علينا وأوضاع اقتصادية لم نعهدها في مجتمعاتنا من قبل، ومع الاحتكاك الثقافي الهائل خلال العقدين الأخيرين وانتشار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي زادت أنماطنا الاستهلاكية بشكل مريع، وأدمنت أسرنا التسوق الدائم والإنفاق بإسراف في شراء حاجيات ومستلزمات ليست ضرورية لها، بل أصبح التسوق والذهاب باستمرار إلى الأسواق والمولات الكبيرة جزءا لا يتجزأ من أنماط حياتنا اليومية، وصار الذهاب إلى الأسواق للتمشي فيها عادة دائمة وربما يومية للكثير من شبابنا وفتياتنا؛ حيث يجدون فيها الأنس والمتعة، وأصبح الإسراف في الشراء والإفراط في استخدام الكماليات سمة أساسية في حياتنا، سواء أكان يتعلق هذا الأمر بالملابس، أو المشارب والمآكل، أو هوس اقتناء الأدوات المنزلية غير الضرورية التي تتكدس في المنازل، ومع رؤية مملكتنا الغالية (2030) نجد أن التركيز الآن أصبح ينصب على تحسين جودة الحياة ورفع مستواها من خلال الاهتمام بالأساسيات الضرورية في حياتنا المعاصرة مثل الاهتمام بالتعليم والصحة والإسكان، وممارسة الرياضة، ولذا فتوجهنا الاستهلاكي المفرط في غير الضروريات قد لا يتوافق مع هذه الرؤية الجديدة لرسم مستقل حياة الأجيال القادمة. ويضيف الشبيلي "لا ريب أن النظرة الشرعية في هذا الشأن ترفض الإسراف والتبذير، فقوام عقيدتنا وشريعتنا الغراء هو القصد والاعتدال، حتى لو كان الإنفاق في حلال، وقد دعانا القرآن إلى ذلك التوازن المهم في إنفاقنا، قال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) وفي الحديث: (ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه، حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه، فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه). ومن يتأمل في مدننا وشوارعنا يجد انتشار الأسواق والمحلات في كل مكان، سلع من مختلف الأصناف والأنواع والأشكال، فيها وأغلبها سلع غير ضرورية في الحياة اليومية، بل مجرد كماليات، ولا شك أن انتشار الأسواق وتعددها وسهولة الوصول إليها يعزز هذا الإسراف والهوس بالشراء وإنفاق الأموال على المهم وغير المهم، ولعل المشكلة الأخطر تتمثل من وجهة نظري في انسياق أطفالنا وشبابنا وراء الحملات الترويجية والدعائية التي تبناها الإعلام، فتجد الطفل منبهرا بسلعة ما كمالية ولا ضرورة لها مطلقا، لكنه يحرص على اقتنائها تأثرا بالإعلانات والدعايات الترويجية التي تحاصره من كل مكان، وهذا يجعلنا نؤكد على أهمية زرع ثقافة الترشيد في الأسرة، وتعليم جميع أفرادها الاقتصاد في الإنفاق، وخاصة الزوجين في بداية الحياة الزوجية، ويجب بشكل عام تعزيز الاهتمام بالجوهر والمضمون في حياتنا أكثر من الانبهار بالشكل والمظهر، والتركيز على الضروريات بدلا من الانخداع بالكماليات والحرص على اقتنائها لأنها ليست من أساسيات الحياة. تجارة التستر والتزوير د. عبدالعزيز الزير الإعلامي والمستشار الأسري والاجتماعي، يشدد على أن التباهي بالتغيير والشراء المفرط من مختلف السلع ظاهرة سلبية لاتزال منتشرة في مجتمعنا، وحتى مع مرورنا بضغوط اقتصادية لأسباب مختلفة وتغير في جانب الألويات، يظل السلوك الشرائي لدينا غير منتظم ومنضبط بالشكل الصحيح، وهذا السلوك الغريب لدينا غير موجود في أغلب دول العالم المتقدم والحضاري، يضاف إلى كل ذلك تميزنا السيئ في وجود التجارة التي تقوم على عمالة تجد التسهيل من المواطن والتستر، وبطرق فيها تحايل على القوانين والتشريعات الحكومية، وتعمل على بيع سلع رديئة ومغشوشة أحياناً من خلال محلات التخفيضات المعروفة والمزروعة في كل شوارعنا، وهي تتنافس جميعها على نشر السلوك الاستهلاكي غير المنضبط للمواطن والمقيم الصالح، وليس المقيم الذي يضر البلد ويجعل تجارته تمر عبر مواطن يغش وطنه ومواطنيه، وهو في نفس الوقت يظلم نفسه ويخالف شرعنا الحنيف الذي لا يرضى بتصرفات تجارية تقوم على الضرر للآخرين عبر استيراد سلع مقلدة لعلامات معروفة، أو سلع رخيصة وفي نفس الوقت تسبب الخسارة للمستهلك، فهناك سلع تحتاجها مثلا لمدة عام أو عامين وتجدها في هذه المحلات المضللة بسعر مغري ولكن رديئة وقد تشتري منها أربع أو خمس مرات بعام واحد، وفي النهاية الضحية هو المواطن الذي قد لا يكون لديه الوعي الكافي بضرر هذه المحلات. ويستطرد الزير "مصادرة المواد المزورة والمقلدة في المستودعات الكبرى التي أصبحت تنتشر عبر المقاطع سواء من خلال حملات وزارة التجارة أو غيرها من الجهات المعنية، تكشف لنا خيانة المواطن التاجر لوطنه من خلال وضع ثقته في غير مكانها، بحيث أصبح التزوير لديهم مشروع تجارة ومكسبا وليس لديهم اهتمام بوضع المواطن أو غيره لا صحيا ولا اقتصاديا، وبالتالي ما يقبض عليه ويتلف جزء يسير من أطنان تدخل أسواقنا ومنازلنا بشكل شبه يومي، وهناك تجار من محلات المتشدقين بهذه التخفيضات المضروبة من جنسية عربية معروفة يعملون بأموالهم ويكسبون الملايين ويذهب لجيب المواطن الفتات البسيط، حتى يرضى أن يخون دينه ووطنه، ونحن ندعو في هذا الشأن بالضرب بيد من حديد على من يعثو فساداً في بلدنا ويخون الدين والوطن لمصلحة شخصية المستفيد الأكبر منها مقيمون أو تجار متستر عليهم". المتحدثة الأخيرة في موضوع ملفنا الاقتصادي مهتمة بشؤون الأسرة وربة منزل وفاء الثميري، تقول "الكثير أصبح يعرف أن المحلات التي تدعي أنها "أبو ريالين" تستغل هذا الاسم كمؤشر للتخفيض، وهي في الواقع أن الكثير منها، تبيع بمبالغ تجاوزت المئة ريال ومضاعفاتها، ونحن كسيدات نراها من جانبين بالنسبة للأدوات المنزلية وأدوات المطابخ والحدائق، وما شابه ذلك تكون غالبا جيدة وأيضاً سعرها متفاوت، وغالبا الرخيص منها مقلد ورديئ جداً ولا يحقق الغرض منه، والبعض لا يكتشف ذلك إلا بعد أن يكون قد خسر أمواله في هذه البضائع المغشوشة أو المتدنية الجودة، أما يتعلق بمواد التنظيف المتنوعة فالرخيص منها والمقلد قد يسبب الأمراض، ولذا الحذر واجب، والواجب كذلك على الجهات المعنية مواجهة ذلك بحزم ومنع انتشارها فهي تتعدى الغش للضرر بصحة الإنسان" وتضيف الثميري: مهم جد أن يكون الوعي بين السيدات بالنسبة لمحلات التخفيضات المضللة لكونهن معنيات بهذا الشأن أكثر، فهن صاحبات القرار لكل ما يستخدم في المنزل من أدوات جيدة وغير جيدة، وعلى الجهات المعنية بالتوعية توجيه رسائلها لربات البيوت بالدرجة الأولى. توعية المستهلك دور غير مكتمل في مجتمعنا د. على الشبيلي د. عبدالعزيز الزير د. فيصل الفاضل حملات مواجهة التخفيضات الوهمية لا تغطي انتشارها الواسع في بلادنا