يتساءل كثيرون عن تدني أسعار النفط، وعن المستويات التي يمكن أن تصل إليها، نظرًا لتأثيرها على اقتصادنا الوطني بصورة خاصة وعلى الاقتصاد العالمي بصورة عامة.. توقعاتي أن الأسعار فعلاً وصلت إلى أدنى مستوى يمكن أن تصل إليه، وأي دفع بالأسعار لمستوى أقل من ذلك هي لأسباب مفتعلة بعيداً عن إطار آلية السوق (العرض والطلب). وباستحضار العوامل والأحداث التي أدت إلى انخفاض الأسعار منذ بداية العام الحالي يمكن تلمس مؤشرات لتوجهات الأسعار مستقبلاً. أود الإشارة إلى أن الاستنتاج المشار إليه (المتمثل في أن الأسعار عند أدنى مستوياتها) يستند إلى عدد من المعطيات، منها: 1- أن نسبة انخفاض الأسعار قد تجاوزت بشكل كبير الانخفاض الفعلي في حجم ونسبة الانخفاض في الطلب اليومي العالمي. 2- من يرى أن الأسعار يمكن أن تذهب بعيداً في انخفاضها عن المستويات الحالية، تصوره لا يستند إلى المنطق؛ فمستويات الأسعار الحالية كقوة شرائية هي أقل من عشرة دولارات للبرميل قبل أقل من ثلاثين عاماً، وهو المستوى الذى يميل إلى تبنيه من يؤيد فرضية استمرار انخفاض الأسعار في المستقبل القريب. كما هو معلوم أن انخفاض الأسعار هو نتيجة لتدني الطلب على النفط، لتأثر الاقتصاد العالمي بظهور جائحة كورونا وما ترتب عليها من إجراءات احترازية بلغت حد إغلاق دول العالم حدودها، وبعض أنشطتها الاقتصادية. وقد تعزز هذا الانخفاض بعدم اتفاق مجموعة اوبك+ في بداية الشهر الماضي على تحديد مستويات الإنتاج في الفترة القادمة، يضاف إلى ذلك المضاربون في أسواق المال الدولية، وهم دائمو الحضور في مثل هذه الظروف - عند تحرك الأسعار صعوداً أو هبوطاً - لتحقيق مكاسب هائلة في كلا الاتجاهين. والمضاربون أسرع من آلية السوق في ضبط التوازن المطلوب. كما أن لديهم آليات يعتمدون عليها بكفاءة عالية - منها البيع والشراء على المكشوف - تجعلهم يخلقون في السوق كميات من النفط، غير موجودة فعلياً يتم تداولها. وتحميهم في ذلك صناديق تحوط تقف وراءها مؤسسات مالية وإعلامية ضخمة. إن الحالة الراهنة لسوق النفط مع انحدار الأسعار إلى أدنى مستوى تفرض احتمالين اثنين: الأول أن تبقى الأسعار على ذات المستوى لفترة من الزمن، وهو احتمال ضعيف. أما الأقرب لما يمكن استخلاصه باستقراء موضوعي فهو الاحتمال الآخر، الذي يرى أن الأسعار ستبدأ في التحسن التدريجي، بدعم من الاتفاق على تقنين إنتاج النفط بما يتوافق مع انخفاض الطلب. وهذا ما تعمل عليه أوبك + والدول المنتجة الأخرى بقيادة المملكة التي تدير هذا التوجه بكفاءة ومسؤولية عالية، ولله الحمد. وهناك عامل يدعم فرضية التحسن التدريجي للأسعار، وهو أن إغلاق الحدود في جميع دول العالم لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة حتى يتم احتواء وباء كورونا بشكل كامل، فسنرى تخفيفاً تدريجياً للضوابط والإجراءات الاحترازية، مع تعزيز الجهود لمحاصرة الوباء وتقليص انتشاره بعد صدمة تفشيه في كل دول العالم. وسينعكس ذلك تحسناً على الطلب على النفط، وعلى الأسعار خلال الفترة القادمة المتبقية من العام الحالي.. إن شاء الله. * عضو مجلس الشوري