يرجح أن تبقى أسعار النفط مرتفعة يدعمها الطلب القوي والإمدادات المحدودة. وإذا استمرت الأسعار على مستواها المرتفع، ستثار المخاوف من نتائج ذلك على مستوى التضخم والارتفاع في معدلات الفائدة. لكن هذه الحالة ستؤدي إلى "هبوط لطيف" لا ينجم عنه أي اختلال في الاقتصاد العالمي. ولم نتوقف، طيلة الأشهر الستة الماضية، عن القول إن حصول اختراق للحدود التي تأرجحت الأسعار بينها لفترة غير قصيرة سيكون في اتجاه الصعود. إذ حافظت مجموعة الدول المصدر للنفط أوبك على الخفض في الانتاج الذي اتفق عليه اعضاؤها في آذار مارس الماضي، فدفعت الأسعار إلى الارتفاع بحدة وسط طلب عالمي متصاعد. وغذّى هذا الطلب على النفط النمو الاقتصادي العالمي وموجة البرد التي اجتاحت الولاياتالمتحدة أخيراً وأدت إلى ارتفاع أسعار النفط بنحو خمسة دولارات خلال أسبوعين. إن العامل الرئيسي الذي رفع أسعار النفط هو الانخفاض العالمي في مخزونات هذه المادة إلى ما تحت المستويات المعتادة. ففي الولاياتالمتحدة، مثلاً، انتهى العام الماضي بمستويات متدنية من المخزون لم نشاهدها منذ عام 1984. ومن المتوقع ان نرى مخزون النفط يتناقص أكثر في الفصل الأول من هذه السنة وربما وصل إلى 10 في المئة أدنى من المستوى العادي. هذا كله يعني ان القوة في سعر النفط ستستمر. ويهدد بعض أعضاء "أوبك" المتشددين بتمديد الخفض الراهن في الانتاج إلى ما بعد انقضاء المدة المتفق عليها والتي بوسعها ان تضغط على الأسعار لتصل في الأمد القصير إلى حدود 30 دولاراً للبرميل. وأوضحت "أوبك" أنها حتى ولو كانت تريد ان تهندس "هبوطاً لطيفاً" لأسعار النفط، فهي ترغب أيضاً في التوصل إلى سعر يتجاوز متوسط ما وصل إليه في الأعوام الأخيرة. وكان متوسط سعر مزيج برنت خام القياسي العالمي في عام 1998 وصل إلى 1.13 دولار ثم ارتفع إلى 8.17 عام 1999. وأخيراً بلغ حوالى 27 دولاراً. ونرى أنه في سنة 2000 سيصل متوسط سعر البرميل إلى 5.20 دولار لمزيج برنت وإلى 22 دولاراً لمزيج غرب تكساس الوسيط. وفي الواقع رفعنا توقعاتنا للأسعار في 2000 و2001 إلى زيادة 5.1 دولار لمزيج برنت ودولار واحد لمزيج غرب تكساس. اجتماع "أوبك" محط الأنظار وبناء على تصميم "أوبك" للحصول على أسعار أعلى للنفط في المديين المتوسط والطويل، لا أحد يعرف بالضبط إذا كان أعضاؤها سيزيدون كمية النفط أو الحصص التي ينتجها كل منهم. وسيتم الاتفاق على ذلك في اجتماع "أوبك" في 27 آذار مارس المقبل. وفسرت التعليقات الأخيرة التي صدرت في السعودية على أنها بيان يراد منه التبليغ أنه سيحافظ على الحدود الحالية لانتاج النفط. وفي رأينا أن هذه التعليقات هي بمثابة وسيلة استعملت لوضع حد للغط الدائر حول انقسام في صفوف "أوبك" وبالتالي لتجنب انزلاق الأسعار. وإذا كانت أسعار مزيج خام غرب تكساس الوسيط سترتفع إلى نحو 30 دولاراً للبرميل، يرجح ان يساور القلق منتجي النفط حول خطر ان يتحول عملاؤهم إلى مصادر أخرى للطاقة. وفي هذه الحال، يسهل تجاوبهم في شأن زيادة حصص اعضاء "أوبك" في الانتاج وبالتالي السماح بانتاج كميات أكبر من النفط، قد تساعد بدورها على عودة أسعار النفط إلى حدود 20-25 دولاراً بسهولة. أما السؤال الكبير فهو التالي: هل تنجح "أوبك" في هندسة "هبوط لطيف" لأسعار النفط، أم ان الأسعار ستتدهور إلى ما تحت 17 دولاراً حالما تفتح "أوبك" الصنابير؟ نعتقد أنه حصلت تغييرات مهمة في قيادات عدد من كبار الأعضاء في المنظمة، حسّنت بصورة محسوسة امكان استمرار التعاون بينها. ومن شأن هذا ان يرفع من أرجحية الزيادة التدريجية والمرحلية في حصص الانتاج وبالتالي يؤدي إلى تجنب التدهور في الأسعار. والسؤال الثاني يكمن في أي نقطة يمكن ان تستقر الأسعار إذا حصلت زيادات في الانتاج؟ ويدل تحليلنا ان السعوديين يحتاجون إلى 5.20 دولار لسعر مزيج غرب تكساس أو ما يعادل 19 دولاراً لمزيج برنت من أجل بلوغ توازن في موازنتهم. شركات النفط من المؤكد ان شركات النفط الدولية تتأثر بالتقلبات في الأسعار. وحتى الآن هناك شركات عانت من تلاشي هوامش أرباحها بسبب الارتفاع المضطرد في أسعار هذه المادة الأولية. ومع ذلك، فإن أسعاراً بمستوى 20 دولاراً أو أكثر توفر مناخاً جذاباً لبعض شركات النفط لتحسن أرباحها في السنوات القليلة المقبلة. ولا شك في ان أسعار أسهم عدد من الشركات النفطية تستمر في تخلفها. ويرتكز تقويم السوق لشركات النفط الكبرى، في الولاياتالمتحدة مثلاً، في الوقت الراهن على فرضية ان سعر 17 دولاراً للبرميل من خام غرب تكساس الوسيط، وهذا يعني ان سوق الأسهم لا تتوقع ان يثبت الانتعاش في سعر النفط. وفي رأينا ان هذا عامل آخر يساعد على اعتبار أسهم بعض شركات النفط جذابة. ويمكننا ان نضيف إلى عامل السعر عوامل أخرى يمكن ان تساعد شركات النفط، منها اننا نشاهد في هذا القطاع تماسكاً مستمراً وخفضاً في النفقات واعتماد الترشيد. ومن المتوقع الحصول على توفيرات مهمة في التكاليف لدى الشركات التي جرى دمجها حديثاً من نوع "شركة النفط البريطانية" و"اموكو" و"إكسون موبيل" و"توتال فينا - إلف"، ثم ان "رويال داتش/ شل وشفرون" تنفذ من جانبها خفوضات مهمة في النفقات. وإذا اضفنا إلى ذلك النمو الطبيعي لنخبة من الشركات، لتوقعنا حينئذ ان يكون نمو الأرباح في القطاع النفطي قوياً وربما ينطوي على مفاجآت سارة. * منسقة النفط العالمية في شركة "مريل لينش".